ستظل صرخة السائحتين وهما تجران إلى مقصلة التوحش عصية على النسيان لدى كل من شاهد فيديو يفترض أنه يصور ذبحهما. لا شيء يمكن وصف الواقعة به سوى التوحش والهمجية والإرهاب الدموي المقيت الناتج عن الجهل والأمراض النفسية التي تعيش تحت وهم التدين، والدين منها براء. نحن إزاء تحول خطير، يجب الوقوف عنده مليّا، دولة ومجتمعا، لأننا أمام خطر جسيم يهدد وجودنا الجماعي أفرادا ومؤسسات. احترازا، يجب أن ننتظر انتهاء التحقيقات الأمنية والقضائية لمعرفة كافة المعطيات المتعلقة بواقعة إمليل، لكن كل الإجراءات الأولية التي أعلنت لحد الآن، ومنها دخول المكتب المركزي للأبحاث القضائية والنيابة العامة بالرباط على خط القضية، تشير إلى أننا أمام جريمة إرهابية كاملة الأركان، تتطلب إعمال أقصى درجات الزجر والردع في حق مرتكبيها، أو من تسول له نفسه اقتراف مثيلاتها. لكن، لا يبدو أن الزجر والردع كافيان، ما يستدعي فهم وتفسير ماذا حصل؟ ولماذا؟ وأول ملاحظة يمكن تسجيلها أننا أمام تحول خطير في طبيعة الفعل الإرهابي لم يعرفه مجتمعنا من قبل، نحو النمط الداعشي المقيت، وهو نمط متوحش يستهدف بث الرعب والخوف في النفوس عن طريق الذبح وقطع الرؤوس، ثم تصوير كل ذلك ونشره على العموم، كما أنه يستهدف المخالفين مهما كان دينهم، وأفعاله الإجرامية شاهدة عليه في كل من سوريا والعراق وليبيا. ثاني ملاحظة أننا أمام هجوم إرهابي ضرب العالم القروي لأول مرة، فيما استهدفت كل العمليات السابقة المدن أساسا. وإذا كانت الأجهزة الأمنية استطاعت تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية التي لها صلة بداعش خلال السنوات الماضية (منذ صيف 2013)، إعمالا للمقاربة الاستباقية في ملاحقة تلك الخلايا وتفكيكها، فإن واقعة إمليل تطرح بعض الأسئلة حول نجاعة تلك المقاربة عندما يتعلق الأمر بإرهابيين اتخذوا من الجبال والعالم القروي قاعدة خلفية لأنشطتهم، بعيدا عن المراقبة. ثالث ملاحظة، أننا أمام منفذين للعملية ذوي «بروفايلات» بسيطة، فهم شباب (ما بين 25 و33 سنة)، ثلاثة منهم يمتهنون الرعي في المنطقة الجبلية، ليسوا ذوي سوابق إجرامية، يعيشون بعيدا عن ضغط المدن وإكراهاتها (ضغوط السكن، التمدرس…)، وهذا النمط من المنفذين مختلف تماما عن نظرائهم ممن تورطوا في عمليات إرهابية أخرى، الذين كانوا ذوي «بروفايلات» نمطية في غالب الحالات (الفقر، سكان الأحياء الفقيرة في المدن، منقطعون عن الدراسة، البطالة، ذوو سوابق…). والموقوفون الأربعة الذين يشتبه في تنفيذهم العملية، بهذه البروفايلات والمعطيات المعلنة حتى الآن، يطرحون تحدي كشف طبيعة علاقتهم بداعش أو غيرها من الجماعات الإرهابية، خصوصا بعد الحديث عن علاقة الموقوف الأول بجماعة متطرفة. طبعا، ستكون لهذه الواقعة الإرهابية تداعيات وكلفة باهظة؛ كونها تشكك بقوة في حصانة المغرب من الخطر الداعشي، بعدما ظل لسنوات محصنا بالفعل من كل خطر إرهابي بفضل يقظة الأجهزة وعموم المواطنين (جرى توقيف المشتبه بهم بفضل تعاون مواطنين عاديين)، فضلا عن أن الواقعة ستضر بالاقتصاد، وعلى رأسه قطاع السياحة. لكن كل هذه التداعيات يمكن علاجها مع الوقت، كما عالجت بلادنا تداعيات 16 ماي 2003، خصوصا إذا حُدِّد المشكل بدقة. والملاحظات التي أبديتها تكشف ثغرات في السياسة الأمنية الخاصة بمحاربة الإرهاب، ومنها أن العالم القروي بحاجة إلى حماية أكثر، على غرار المدن. لذلك، حان الوقت للتفكير في جهاز شبه أمني يحرس البادية، على نمط «الحرس القروي» الذي تعمل به عدة دول، مهمته حماية المناطق الاستراتيجية في البادية، مثل المناطق الجبلية السياحية، والمناطق السكنية على الحدود، وأيضا المناطق التي توجد بها مؤسسات أو مناجم، وهي تجربة قد تكون فعالة في مواجهة النمط الإرهابي الجديد. لقد سعت وزارة الداخلية في السنوات الأخيرة إلى تأهيل رجال السلطة في ما يخص محاربة الإرهاب، كما جرى تجديد هيئة أعوان السلطة وتأهيلهم (الشيوخ، المقدمون) للغاية نفسها، لكن يبدو أن تلك الجهود غير كافية، ولا بد من إدماج الساكنة القروية في حماية نفسها.