بعد رفض مكتب مجلس النواب إحالة مشروع الخدمة العسكرية على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي وتوسيع المشورة، شرعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، أول أمس، في دراسة مشروع القانون، في الوقت الذي أعلن الوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني، عبداللطيف لوديي، داخل الجلسة أن تكوين وتدريب الفوج الأول من المجندين سيبدأ في شتنبر 2019. ومن خلال معطيات حصلت عليها “أخبار اليوم”، فإن الوزارة المنتدبة المكلفة بالدفاع الوطني تبدو مستعجلة فيما يخص تمرير مشروع القانون قبل نهاية السنة الجارية (2018)، حتى تتمكن رفقة الجيش الملكي من التحضير للفوج الأول الذي حدد عدده في نحو 10 آلاف فرد، من الذكور والإناث. وظهر عامل الاستعجال في مؤشرين: الأول، رفض مكتب مجلس النواب إحالة مشروع القانون على المؤسستين الدستوريتين المذكورتين، خصوصا وأن هذه المسطرة تتطلب وقتا أطول، أما المؤشر الثاني، فهو “الضغوط” التي مورست من أجل تأجيل ندوة دراسية كانت لجنة العدل والتشريع قد شرعت في الإعداد لها. وواصلت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان دراسة مشروع القانون، الذي يتكون من 18 مادة فقط، أمس، وقد تنتهي من دراسته، والمصادقة عليه، كذلك، بالأمس أو اليوم على أبعد تقدير، علما أنه يحيل على أربعة نصوص تنظيمية يفترض أن تبدأ الوزارة المنتدبة في إعدادها بعد مصادقة البرلمان على المشروع. وبعدما كان نص المشروع يؤكد أن التجنيد سيشمل الذكور والإناث على وجه المساواة، اقترح الوزير المنتدب تعديل المادة التي تنص على ذلك، في اتجاه أن يكون تجنيد النساء اختياريا، وكذلك أمام أبناء المهاجرين المغاربة في الخارج ذكورا وإناثا. موضحا أن الإناث سيخصص لهن مركز خاص بهن للتكوين والتدريب، ولن يكونوا مع الذكور في مراكز مشتركة. وكان ممثلو الفرق النيابية، من الأغلبية أو المعارضة، قد عبّروا، في جلسة أول أمس، عن ملاحظات وانتقادات انصبت على طريقة تعامل الحكومة مع مشروع القانون، بحيث أجمعت على الحاجة إلى “التواصل العمومي” من قبل الحكومة مع الرأي العام، لشرح أهداف مشروع القانون، خصوصا في ظل وجود شرائح اجتماعية، شبابية ومدنية وحقوقية، “متوجسة من قرار العودة إلى تفعيل الخدمة العسكرية الإجبارية”، بعد تعليق العمل بها سنة 2007. ممثل فريق حزب العدالة والتنمية في اللجنة، جواد العراقي، احتمى بما وصفه “تساؤلات وانتقادات وتأويلات” يطرحها المواطنون، و”من الواجب علينا أن ننقلها إليكم، بوصفنا ممثلين للأمة، للحصول على أجوبة وافية”، وأضاف أن تلك “التساؤلات والتأويلات لها أسباب اجتماعية وسياسية، تتمثل في الاحتقان، والعنف، والصراعات”، وهي نتيجة “غياب أجوبة مقنعة حول أهداف القانون”، مؤكدا أن “المشروع لا يتضمن تصديرا يشرح أهدافه بدقة، حتى يرفع اللبس ونتفادى التأويلات”. قبل أن يحذر من “جر المؤسسة العسكرية إلى لعب أدوار ليست من طبيعتها، خصوصا في ظل جو عدم الثقة بين الشباب وعدد من المؤسسات السياسية، والتي لا نريد أن يمس المؤسسة العسكرية كذلك”. كثرة الإحالة على النصوص التنظيمية في مشروع القانون ملاحظة سجّلها، أيضا، فريق الأصالة والمعاصرة، الذي اعتبر أنها تدل على أحد الأمرين: إما انعدام الرؤية لدى الحكومة حول إعادة العمل بالخدمة العسكرية، وإما الرغبة في الالتفاف على بعض مقتضيات القانون وتعطيلها. وتساءل ممثل فريق الأصالة والمعاصرة في اللجنة عن طبيعة الخدمة العسكرية، مشيرا إلى أهمية التفاعل الإيجابي مع مقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص الخدمة المدنية، مؤكدا أن “الشباب يرفض الخدمة العسكرية في السياق الحالي”. وقال عمر عباسي، عن فريق الاستقلالي، إن “مشروع القانون قوبل بتوجس كبير لدى قطاعات واسعة من الشباب المغربي”، موضحا أن “الحكومة قصّرت في المواكبة الإعلامية لمشروع القانون”. وتساءل كيف أن “الحكومة لها ترسانة من القنوات والإذاعات، لكن لا أحد منها خصص لهذا الموضوع الكبير ولو برنامجا واحدا، ليخلص إلى أن التواصل الحكومي بخصوص الخدمة العسكرية يبقى شبه منعدم”. واعتبر عباسي أن مشروع الخدمة العسكرية “كان الأجدى أن يندرج ضمن الاستراتيجية المندمجة للشباب”، مشددا أن السياق الحالي يتسم “بضعف الثقة في المؤسسات السياسية”، مستدركا بالقول: “هل بمثل هذه المبادرات سنعيد الثقة في المؤسسات؟”، مؤكدا أن مطالب الشباب المغربي تتمثل أساسا في “الديمقراطية الحقة، ومؤسسة حزبية قوية، وحياة سياسية قائمة على الاختيار الحر، كما يطمح إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية ومواجهة الحُكَرة”.