عادت مجددا قضية المتاجرة بدم أيت الجيد رحمة الله عليه، إلى الواجهة، بعد قرار قاضي التحقيق بالغرفة الأولى لدى محكمة الاستئناف بفاس، متابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية الدكتور عبدالعلي حامي الدين، وإحالته على غرفة الجنايات من أجل جناية “المساهمة في القتل العمد”. القرار شكل صدمة لدى المحامين والمتخصصين في القانون، ولدى الحقوقيين من مختلف المشارب الفكرية والتوجهات السياسية، بالنظر إلى العيوب التي تشوبه قانونيا وحقوقيا، وربما لأول مرة يقع الإجماع في المغرب، على رفض قرار من هذا النوع، ما وضع مؤسسة القضاء موضع الحرج والشك أمام الرأي العام. وبدون تكرار ما حسم فيه أصحاب الاختصاص، من عيوب تلف القرار المذكور، وبدون الرجوع إلى تفاصيل الحادث التي بات الجميع يعرفها، وبالنظر إلى الحملة الإعلامية التحريضية ضد الدكتور عبدالعالي حامي الدين، والمنابر والأسماء المنخرطة فيها، فإن المطلوب تسليط الضوء على الخلفيات السياسية التي تحيط بالملف، لمزيد من الفرز في معطياته، ولمحاولة تحديد المستفيدين الحقيقيين من وراء تحريكه. بإطلالة على مسار “بعث” الملف من الأرشيف، يتبين أنه استُعمل في كل مرة، ورقة لمواجهة حامي الدين الشخص والانتماء أيضا، وشكل إلى جانب ملفات أخرى، محورا من محاور الصراع ضد العدالة والتنمية، ومؤشرا من مؤشرات المقاربة الأمنية المستعملة لسنوات ضده. حيث عادت القضية إلى الواجهة الإعلامية سنة 2012، أشهرا قليلة بعد تشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة، وهدوء الأوضاع الاجتماعية نسبيا، واستئناف الحياة السياسية لوتيرتها الطبيعية، بعد أشهر من الاهتزاز الذي فرضته حركة 20 فبراير، لكن بمعطى الموقع الجديد الذي أصبح يحتله العدالة والتنمية، على أبواب مرحلة دشنها المغرب اختلف فيها المشهد عما كان سائدا، أو عما كان يراد أن يسود. خلال الأشهر الأولى لسنة 2013، أُعيد من جديد تحريك الحملة الإعلامية ضد حامي الدين في هذا الملف، وذلك بالتزامن مع الأزمة التي استهدفت أغلبية حكومة بنكيران الأولى، وبالتزامن، كذلك، مع تعيينه مقررا للجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني، وصدر حينها بلاغ تضامني مع حامي الدين وقعته شخصيات سياسية وحقوقية معروفة من تيارات مختلفة، اضطر بعضها للتراجع عن التوقيع بالضغط والترهيب الذي مارسته جهة ما، يبدو أنها الحارس الفعلي للملف. سنة 2015، ستعرف هي الأخرى إثارة الملف في مناسبتين، الأولى تتعلق بتداول اسم حامي الدين مرشحا للاستوزار مكان الحبيب الشوباني الذي غادر وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، والثانية تتعلق بولوجه مجلس المستشارين في انتخابات أكتوبر من السنة نفسها، وانتخابه رئيسا لفريق الحزب، قبل أن يقدم استقالته. صحيح أننا اليوم أمام متابعة جنائية، وليس فقط حملة إعلامية، إلا أن رصد تواريخ إثارة الملف ضد حامي الدين، يكشف تزامنها الواضح مع تواريخ لها علاقة إما باختياره لمهمة أو منصب ما، أو لها علاقة بحملات تستهدف تشتيت تركيز حزب العدالة والتنمية بغاية إرباكه وإضعاف موقعه التفاوضي، إزاء حدث سياسي كبير في البلاد. وبهذا، وبالنظر إلى كون قرار المتابعة والإحالة على غرفة الجنايات، في دوْس صريح على كافة المقتضيات القانونية الوطنية والكونية، حسب أهل الاختصاص، صدر يوما واحدا بعد تعيين جلالة الملك لأمينة بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعني قرب تعيين أعضاء المجلس، فإنه من الوارد جدا أن يكون الهدف هو التشويش على إمكانية تعيين حامي الدين عضوا في هذا المجلس، خاصة أنه مرشح لذلك بقوة، بحكم تخصصه الأكاديمي ونشاطه الحقوقي كرئيس لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان. وقد تكون خلفيات تفجير هذه الأزمة، من جهة أخرى أكبر، وتتعلق بسيناريو معين يستهدف عزل حزب العدالة والتنمية، والدفع به خارج الحكومة، بصيغة لا تُظهر كثيرا من التعسف على الدستور، وعلى معطيات آخر انتخابات. وعلى كل حال، إن هذا القرار أحدث رجّة كبيرة، بين عموم المغاربة، ستصل ارتداداتها مناطق مختلفة، وأكبر ضحية لها ستكون هي الثقة في القضاء، وستحدث حالة خوف على دولة المؤسسات، وعلى الرصيد الجماعي الذي راكمته البلاد، بفضل تضحيات أسماء وأجيال، وهو ما يفسر حالة الاستنكار العام، والإجماع بين كل مكونات الشعب إلا فئة قليلة، منها المتحامل ومنها المأجور، ومنها من توقف عنده التاريخ في لحظة الصراع الإيديولوجي الحاد لِما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي! إننا بالفعل أمام انحراف كشفت خطورتَه المواقفُ التي عبرت عنها شخصيات لها وزنها في البلاد، ظلت، ربما، تلتمس العذر، لانحرافات مماثلة شابت التعامل مع شباب حَراك الريف، والتعامل مع الصحافيين حميد مهدوي وتوفيق بوعشرين، لكنها استشعرت أن ملف حامي الدين قد يتجاوز وصفه بقضية حزب، إلى عنوان لمرحلة في تاريخ شعب، أو، ربما، ينبغي أن يكون كذلك، ووحدها مستجدات أولى جلسات المحاكمة الغريبة ستكشف إلى أين يسير المغرب، ومع من؟ وهذه مناسبة، أيضا، لوضع هذا المستجد في سياق عام، يتعلق بالمسار الذي دخلته البلاد بعد الالتفاف على نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016، والذي لم يجن منه المغرب سوى اهتزاز صورته وصورة مؤسساته، وظهر أن كل شعارات ومبادرات المسار، بما فيها إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان، لم تكن سوى للتمويه والتغطية، على ما كان ينتظر المغاربة مما عاشه بعضهم في الحسيمة وفي جرادة وغيرهما من المناطق ومن الملفات، ولذلك فإن أي قرار مقبل في ملف حامي الدين لا يستند إلى النصوص القانونية الواضحة، أو تغيب عنه الحكمة واستحضار صورة الدولة وقضائها، يجدر أن يوازيه إغلاق هذه الوزارة بكل شجاعة!