هل تعرف كيف تحكي حقيقة مريرة في قوالب مضحكة؟ سؤال عرف كيف يجيب عنه المخرج وكاتب السيناريو والروائي والمنتج الأمريكي، بيتر فارلي، ليس فقط بالكلام، وإنما بالصورة وبناء الموقف، كل ذلك في فيلمه البديع «الكتاب الأخضر» Green Book، هذا العمل الكوميدي الدرامي الذي يطرق موضوع العنصرية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي أتيحت مشاهدته لجمهور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش ليلة يوم الثلاثاء الماضي، بحضور بطله النجم فيكو مورتنسن، الذي اعتلى منصة قاعة الوزراء قبل عرض الفيلم، لتقديم كلمة للجمهور، الذي وقف لتحيته وصفق لهذا الممثل الذي اختاره المجلس الوطني لنقاد السينما في الولاياتالمتحدة أحسن ممثل للسنة الجارية 2018. وعلى امتداد ساعتين وعشر دقائق، استمتع الجمهور بأداء «فيكو مورتنسن»، هذا الممثل المشخص العبقري، الذي عرف كيف يلبس شخصية رجل أبيض عنصري يكره السود حد التقزز من ملامسة شيء لمسوه. الفيلم يعود بنا إلى زمن نظام الفصل العنصري بناء على اللون، ويقدم حكاية رجلين مختلفين جذريا من حيث الفكر والانتماء والطباع، وغير ذلك. في هذا الفيلم، يبحث عازف بيانو أسود مشهور، يلعب دوره الممثل ماهر شالا علي، عن سائق يشاركه رحلة ويساعده، يتقدم للوظيفة رجل أبيض في مأزق يحتاج إليه المال ولديه أسرة وأطفال، يختاره ليكون حارسا شخصيا وسائقا في آن واحد.يبرز عازف البيانو المعروف موسيقيا مثقفا يقف في وجه المجتمع العنصري الذي لا يحترمه إلا حين يكون بصدد العزف، ويعامله بشكل سيئ وموجع باعتباره أسود في باقي الظروف. ويظهر الحارس الأبيض فيجو مورتنسن، ابن شوارع نيويورك، على فطرته ولا تنقصه الشهامة. ونكتشف مع مرور الوقت أن لكل منهما علاته كما لديه أشياؤه الجميلة، ونعرف لاحقا، في هذا الفيلم الذي وظف فيه المخرج المؤهلات الكوميدية للممثلين معا لنقل وحشية التمييز العنصري، أن أشياءهما الجميلة أكبر وأعمق، فهما يمتلكان قلبا من ذهب. قصة هذا الفيلم «الكتاب الأخضر»، الذي اختاره المجلس الوطني لنقاد السينما في الولاياتالمتحدة أفضل فيلم على الإطلاق لعام 2018، مستوحاة من الواقع، إذ تدور أحداثه في العام 1962، لكن رسالته مازالت سارية وصالحة إلى اليوم. وفي هذا الصدد قال فيجو مورتنسن، وهو يعتلي منصة قاعة الوزراء، إن العنصرية رغم بغضنا إياها شيء سيبقى دائما وصعب إنكاره.