ماذا يريد المغاربة بالنسبة إلى المغرب؟ هو السؤال الذي حاول المشاركون في ندوة نظمها معهد الدراسات العليا للتدبير “HEM“ مقاربته من مختلف الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. المشاركون في الندوة وإن تنوعت واختلفت مقارباتهم للسؤال إلا أنهم أجمعوا على صعوبة تحديد إجابات محددة، وأن الشباب المغربي اليوم، يعاني من فقدان الثقة في السياسية وفي العمل السياسي، كما يعاني أيضا من فقدان الثقة في المستقبل. وفي هذا الصدد، اعتبر المفكر والروائي المغربي حسن أوريد أن هنالك وسائل عدة لتعبير المغاربة عما يريدون، إما من خلال الاحتجاجات، أو من خلال قضايا اجتماعية مختلفة، وعلى المثقف أن يرصد ماذا يريده المغاربة، باعتباره فاعلا لا يقل أهمية عن الفاعلين السياسين وغيرهم. “دور المثقف هو قراءة الواقع بأدوات علمية والسعي إلى تقديم إجابات من أجل خلق وعي مشترك، بالنظر إلى التطورات التي يعرفها المجتمع“. وأضاف أوريد “علينا نحن أن نرصد نفوق خطابات لم تعد معبرة“، فلا يمكن تعبئة المغاربة اليوم، من خلال خطاب الحركة الوطنية، أو من خلال مقاربات تقنوقراطية، ولا حتى من خلال خطابات هوياتية كيفما كانت. وبناء عليه، يرى المفكر المغربي، أنه لا بد في الوقت الحالي من التفكير في بديل، وهذا البديل يجب أن يرتبط على الخصوص بما هو مجتمعي، نظرا لما يعتمل اليوم في العالم ككل، إذ هنالك عودة إلى الاهتمام أكثر بالقضية الاجتماعية التي لها الأولوية، والتي ترتبط بالتوزيع العادل للثروة، وفي المدرسة. وعلى عكس القضايا الاجتماعية، اعتبر أوريد أن القضايا السياسية اليوم، لم تعد تحظى بالأولوية. الحركات الاحتجاجية تعبر عن أزمة وفي حديثه عن الحَراك الاجتماعي الذي شهده المغرب خلال الأشهر الماضية، سواء حَراك الحسيمة أو احتجاجت جرادة، قال أوريد إن هذه الحركة الاحتجاجية تعبر عن أزمة أو فشل مقاربات معينة، “ويجب العمل اليوم، على بلورة نموذج يستجيب لما يعبر عنه المغاربة من مطالب مشروعة“. وعن دور الفاعل السياسي في خضم كل هذه التغيرات التي يشهدها الواقع المغربي، قال أوريد إن هنالك أشياء يصعب حسمها من طرف الفاعل السياسي على أهميته، لأنه في نهاية المطاف مصير المغرب هو مصير يهم المغاربة ككل وليس الفاعل السياسي فحسب، “وللنخب، أيضا، نصيب من السؤولية ولها دور في المجتمع، فهي تطلع وتبلور تصورات وتقرأ الواقع“. وفي هذا النقطة يرى المتحدث أنه يجب تحديد مهام كل فئة على حدة، “لأن المثقف ليس هو التقنوقراط وليس هو السياسي، وبطيعة الحال وقع هنالك تداخل في المهام وأصبح التقوقراطي فاعلا سياسيا ومثقفا، وهو الأمر الذي يعتبر مسؤولا عن الوضعية التي تعيشها“. وفي جواب له عن دور النخب التي يُقال إنه جرى القضاء عليها ولم تعد تقوم بدور الوساطة بين مؤسسات الدولة وبين المجتمع، قال أوريد في تصريح خص به “أخبار اليوم“: “إن هذا أمر واقع، والأزمة التي تعيشها الأحزاب ليست اعتباطية، بالإضافة إلى وجود أسباب أخرى موضوعية أفضت إلى الأزمة التي تعرفها الأحزاب السياسية المغربية اليوم، فغدت ضعيفة في لعب دور الوسيط“، وهو ما ينسحب، بحسب أوريد، على النقابات. وتابع المتحدث قائلا: “لا بد من العمل على إعادة الرونق للسياسة بمعناها النبيل، وعلى الجامعة أيضا استعادة دورها، ليس فقط، كفضاء للتعليم، ولكن للتفكير، أيضا، في ما يعتمل في المجتمع“. هل يحب الشباب المغربي وطنه؟ في إجابة له عن السؤال اعتبر أوريد أن هنالك حالات ولاعتبارات موضوعية، تلجأ إلى تمزيق أوراق التعريف ولا تعير أهمية لرموز الانتماء، وهو ما يتطلب البحث عن الأسباب الكامنة وراء مثل هذه السلوكيات، والعمل على خلق شعور انتماء جديد، عوض التجني على هذه الفئة التي قد تكون ضحية لحيف اجتماعي. فقدان الثقة من جانبه، اعتبر الاقتصادي، إدريس خروز، الذي يشغل، أيضا، منصب مدير مهرجان فاس للموسيقى الروحية، أن المغرب يعيش تحولات منذ عقدين من الزمن، وهذه التحولات التي عاشها المغرب على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الثقافي والبنيات التحتية والمؤسسات السياسية تبقى إيجابية، لكن برغم هذه التحولات تبقى هنالك مفارقة تتمثل، أساسا، في منظور الشباب المغربي لبلدهم، أمر يتمظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ هنالك فقدان للثقة والشاب المغربي أصبح يشك في هذا النموذج التنموي الذي بني منذ سنوات. وأرجع المحلل الاقتصادي سبب فقدان الثقة في عصرنا اليوم، إلى انخراط الشباب في الإعلام العالمي عبر الشبكة العنكبوتية، وهو ما يعني أن مرجعية الشباب المغربي لم تعد فقط محلية محدودة، بل أضحت عالمية، “وبين هذا المنظور العالمي الذي يُرى عبر شبكات التواصل وبين الواقع، يكتشف الشباب أن العديد من القرارات تُؤخذ بدونه“. كما أبرز خروز، أن مؤسسات الوساطة بين السياسة وبين المجتمع ضعيفة ، “الشباب المغربي لم يعد يشارك في السياسة، وهذا مرده إلى أن السياسة بالنسبة إليه أضحت فاعلا غير إيجابي، بل سلبي“. وهذا ما خلق مشكلا عويصا داخل المجتمع المغربي. على مستوى الدستور والبنيات والمؤسسات، هنالك إنجاز مهم، يقول المحلل الاقتصادي، لكن الشباب اليوم، يعاني من أزمة ثقة. الأمر يتطلب، وانطلاقا من التراكم الحاصل، خلق ثقة جديدة بين المواطن المغربي وبين السياسة، فضلا عن العمل على تطوير المحطات المجتمعية على الخصوص، مع ضرورة إشراك الشاب المغربي بصفة خاصة في التحولات الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية التي يشهدها المغرب. ثم إن هذه التحولات لا تعود، بحسب المتحدث، إلى فشل النموذج التنموي، بل لأنه استنفذ ما يمكن أن يقدمه، “وبالتالي، لا يمكن الاستمرار في نمط الإنتاج ذاته، بل يجب تحديد الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والثقافيين القادرين على ترجمة النموذج التنموي الجديد“. الشباب صوت غير مسموع من جهتها، اعتبرت نجاة معلا، المقررة الخاصة لدى الأممالمتحدة، أن الشباب اليوم، لديه انطباع على أن صوته غير مسموع وغير مفهوم في المجتمع، وتعتقد هذه الفئة أنه يجري الحديث عنها باعتبارها مشكلة، وليست جزءا من الحل وجزءا من القرار، وأن الشباب قادر على أن يكون فاعلا حقيقيا وجزءا من معالجة المشاكل التي تواجهه. كما اعتبرت المتحدثة في كلمتها أن الاستثمار في الشباب يجب أن يكون اليوم، وليس عبر استراتيجيات ومخططات يجري تطبيقها خلال السنوات المقبلة، فالمهم بالنسبة إلى الشباب هو اليوم، وليس غدا. وأبرزت المتحدثة أن الشباب المغربي اليوم، يعاني من فقدان الأمل في المستقبل، والعديد من الشباب يبدو لهم الأفق غامضا إذ يجدون أنفسهم أمام ثلاثة خيارات، الهجرة أو السجن أو الموت. في الشق السياسي، اعتبرت معلا أن هنالك اختلافا في وجهات النظر بين السياسيين والشباب، فالشباب يأمل في تغيير آني وليس تغييرا مؤجلا ومحددا عبر استراتيجيات ومشاريع الكثير منها لم ير النور. السؤال الذي طرح في اللقاء ماذا يريد المغاربة بالنسبة إلى علي بوعبيد، المحلل المتخصص في الحكامة العامة، لا يمكن الإجابة عنه إلا من خلال الفاعلين السياسيين والبرلمانيين باعتبارهم مملثي الشعب، إلا أن البرلمان اليوم، أصبح مجرد “بناية كباقي البنايات لا أكثر ولم يعد يقوم بدوره“، بحسب بوعبيد. واعتبر المتحدث أن هنالك، أيضا، منابر أخرى يعبر من خلالها المغاربة عما يريدون، ويعتبر العالم الافتراضي أبرزها على الإطلاق. إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ممثلة لأصوات المغاربة وتجلى ذلك خلال عدد من المناسبات، منها حملة المقاطعة التي لقيت تفاعلا كبيرا في الفضاء الأزرق، “وهو ما يعني أن العالم الافتراضي اليوم، أصباح فضاء عاما في المغرب“. واعتبر بوعبيد في كلمته أنه يصعب إقناع المغاربة اليوم، بخطاب السياسات العامة التي فقدت مصداقيتها بالنسبة إليهم، ويجب العمل اليوم، على المشروع التنموي من خلال ثلاثة محاور أساسية: “أولها المحور السياسي، ثم المحور الاجتماعي، وأخيرا المحور الثقافي والمدني“، ويجب أن يكون هنالك تكامل بين هذه المحاور لأنها هي ما يميز بلدا ديمقراطيا عن باقي البلدان. واعتبر بوعبيد أن الانتظارات اليوم، معلقة على الأحزاب السياسية من أجل الاطلاع بدور أساسي في إعداد النموذج التنموي الذي يريده المغاربة. كما أن جميع الفاعلين مطالبون اليوم، بالتعبئة من أجل المرحلة الحاسمة التي يعيشها المغرب اليوم.