في الوقت الذي لم تنجح فيه الثورة المضادة في فرض سلطتها في سوريا واليمن وليبيا، عاد الحديث حول موجة جديدة من ثورات الربيع العربي إلى واجهة الخطاب السياسي والفكري حول التغيير الممكن في المنطقة العربية. فقد توقعت «فورين أفيرز»، في عدد نونبر/دجنبر 2018، أن تتعرض المنطقة العربية لموجة جديدة من الانتفاضات، قد تكون أعتى من موجة سنة 2011. ويتحدث المقال الذي كتبه مروان المعشر، الدبلوماسي ووزير الخارجية السابق في الأردن، عن عاصفتين ضربتا المنطقة؛ الأولى كانت سنة 2011، والثانية كانت سنة 2014. وبينما تبدو بعض الأنظمة وكأنها نجت من العاصفتين، يتوقع المعشر عاصفة ثالثة آتية، إذا لم تسارع الأنظمة العربية إلى تغيير العقد الاجتماعي الراهن، الذي حافظ على الاستقرار سابقا، ولم يعد قادرا على ذلك. ويدعو الكاتب الحكام في المنطقة إلى التحرك بسرعة من أجل التوصل إلى صفقة اجتماعية جديدة مع مواطنيهم، قبل أن تجرفهم العاصفة الآتية في الطريق. فهل تبدو المنطقة مقبلة فعلا على ربيع عربي عاصف؟ وهل تضرب في الدول الجمهورية أم تقصد الملكيات هذه المرة؟ وما حظ المغرب منها؟ عواصف آتية يرى مروان المعشر أن المنطقة العربية شهدت عاصفتين خلال أقل من عقد؛ الأولى سنة 2011 في ما سُمي بالربيع العربي، وهي الانتفاضات التي زعزعت كراسي الحكام المستبدين في جميع أنحاء المنطقة، وأحيت تلك الانتفاضات الآمال في انطلاقة عصر جديد من الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن، باستثناء تونس، انتهى الأمر إلى اضطرابات أو حروب أهلية مميتة. وفي عام 2014، تعرض قادة المنطقة لعاصفة أخرى إثر هبوط حاد في أسعار النفط، بشكل هدد النموذج الأساسي للحكم الذي استندوا إليه. وقد صعَّب انهيار أسعار النفط على تلك الأنظمة تمويل الميزانيات المنتفخة، وشراء النخب، وإجراء إصلاحات طويلة التأجيل. ظاهريا، تبدو العديد من الأنظمة وكأنها نجت من العاصفتين -يقول المعشر- لكن هناك المزيد من الاضطرابات في المستقبل، مؤكدا أن الصدمات التي وقعت سنتي 2011 و2014 كانت مجرد أعراض أولى للتحول الأكثر عمقا في المنطقة؛ فالصفقة الأساسية التي تعزز الاستقرار في الشرق الأوسط تتراجع، وما لم يتحرك القادة الإقليميون بسرعة لإبرام صفقات جديدة مع مواطنيهم، فإن العواصف ستتوالى. وتضيف المقالة أنه منذ أكثر من نصف قرن، استخدمت الحكومات في هذه المنطقة الثروة النفطية لتمويل نظام للرعاية الاقتصادية، ففي بعض الدول، مثل السعودية والإمارات، استُعمل النفط لتمويل الوظائف والتعليم والرعاية الصحية، مقابل الخضوع السياسي، وفي دول أخرى، مثل تونس ومصر، جرى استعمال المساعدات من الدول النفطية، التي تصل إلى 10 في المائة من الناتج الإجمالي الوطني، وتحويلات المواطنين في المهجر من العملة الصعبة، للحصول على الثمن نفسه، أي ترك شؤون الحكم وتدبير الثروة لنخبة ضيقة، تصبح بمرور الوقت معزولة عن عامة الناس، وتربط مصالحها بالأنظمة القائمة. ويقف المعشر عند محاولات الأنظمة القيام بإصلاحات، مؤكدا أنها حاولت رتق العقد الاجتماعي القديم الذي تمزق، من خلال إدخال إصلاحات اقتصادية دون تغييرات سياسية، وهي إصلاحات كان الهدف منها الحفاظ على سلطتها، ومع ذلك، لو نُفذت بشكل جيد لأفادت المواطنين أيضا، لكن، في غياب المراقبة والشفافية والمحاسبة، فإن تلك الجهود أفادت النخبة الحاكمة بدل عامة المواطنين، ما أدى إلى تصاعد الفساد، وشرع الناس يربطون بوضوح بين الإصلاحات الاقتصادية وثراء النخبة. ويخلص المعشر إلى أن خرق العقد الاجتماعي القديم أدى إلى انهيار أنظمة، خاصة التي تقوم على مؤسسات ضعيفة، مثل مصر وتونس، أما في دول أخرى فقد أدى ذلك إلى اندلاع حروب أهلية. فشل النخب الحاكمة قناعة الدبلوماسي الأردني نجدها أيضا لدى المفكر الفلسطيني/الكويتي، شفيق ناظم الغبرا، ففي حوار مع «أخبار اليوم»، أكد الغبرا أن «ما وقع سنة 2011 مازال معنا، وبالتالي، لايزال يُمثل حدثا مفتوحا على أبعاد عديدة، ويمثل رغبة قطاعات كبرى من الشعوب العربية في أن تحقق مكانتها، كونها هي مصدر الشرعية السياسية». وحسب الغبرا، فإن الشعوب العربية تريد أن «توصل صوتها، وأن تكون هي مصدر الحياة السياسية، ومع حقيقة حاجتها إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والنظام السياسي المُساءل، وشعورها بأنها جزء من وطن تريد أن تبقى فيه لا أن تهاجر منه، تريد أن تعبر عن موقفها من الظلم ومن الأخلاق السياسية ومن الفساد، ومن المساءلة والاستقلال عن الدول الأجنبية والغربية، ومن الجشع والظلم». وإذا كان البعض يفضل الحديث عن فشل الربيع العربي، فإن الأكاديمي الكويتي/الفلسطيني يرى في مآل ثورات الربيع العربي فشلا للحكام والنخبة الحليفة لهم، إذ يؤكد أن «أحد أبعاد فشل الربيع العربي سنة 2011 أن الأنظمة العربية والنخب السياسية لم تستوعب رسالة ما وقع، وتعاملت معها من خلال الإسكات والقمع والثورة المضادة، والعمل على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورات»، ويعتبر أن محاولات الأنظمة العودة إلى الوراء محكومة بالفشل. وبين رغبة الأنظمة في وأد الربيع العربي ورغبة الشعوب في تحقيق أهدافها، «دخلنا في طريق مغلق»، بسبب أن الأنظمة الحاكمة «لا تستطيع أن تعيد الأمور إلى ما قبل 2011»، وفي الوقت نفسه، فهي «غير قادرة على تقديم بديلا أفضل»، والنتيجة أننا اليوم «في خندق ومأزق حقيقي». ومن بؤرة هذا المأزق، يلوح شيء ما في الأفق يشي بأن الربيع العربي آت لا محالة، وتحفز على ذلك عدة عوامل، في رأي الغبرا، منها «وعي الشعوب المتقدم»، والذي يشير إلى أنه بالرغم من مظاهر «الغضب والعنف والفوضى، فإن النقاش السياسي بات أقوى، ويطرح أسئلة حسّاسة»، فضلا عن وجود «قوة شبابية متعلمة وعاطلة عن العمل، تعيش في عالم مفتوح على العالم الآخر، وتطلع يوميا على منجزات الشباب في دول أخرى، وعلى ما تتمتع به الشعوب والمجتمعات من كرامة وحرية، وتتوق بدورها إلى ذلك»، أضف إلى ذلك «عطش الشعوب العربية إجمالا إلى الحرية والديمقراطية، حيث تريد حكاما يخدمون مصالحها وليس مصالحهم»، وهذه العوامل هي «التي تحرك العالم العربي اليوم». ثمن دم خاشقجي في هذا السياق، يبدو حدث اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، أقرب إلى الشرارة التي يمكن أن تشعل فتيل النار في السعودية. الأمير هشام بن عبد الله العلوي، يتوقع حصول هذا في المملكة الغنية بالنفط، خصوصا أن هذا الحادث المؤلم جاء في سياق متوتر داخل السعودية، تبلور في ظرف قياسي بعد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد خلفا لأبيه. يقول الأمير إنه «إلى جانب التشعبات الدولية لملف مقتل خاشقجي، هناك كذلك التوتر العالي داخل العائلة الملكية السعودية وباقي المؤسسات، لأن ولي العهد ابن سلمان خرق كل القوانين المكتوبة والأعراف والتقاليد المعمول بها». ويضيف الأمير هشام، في حوار مع «القدس العربي» (عدد 20 أكتوبر 2018)، أنه «بعد المغامرات السابقة من حصار قطر، وقضية «ريتز كارلتون»، تواجه السعودية اليوم جريمة بشعة فيها تقطيع أطراف مواطن مسالم، وهو تصرف يخالف الدين الإسلامي والتقاليد المعمول بها وسط المجتمع السعودي. هذه الجريمة خلقت الرعب داخل البلاد، وأصبح الجميع متخوفا من مصير مماثل».ويضيف الأمير، الذي تربطه علاقات عائلية بالأمير الوليد بن طلال، محذرا: «إذا تمكنت السعودية من احتواء الأزمة، فالجريمة ستلقي بثقلها على صورة ولي العهد والبلاد، وبالتالي، فإن كل هذا قد يؤدي في آخر المطاف إلى حل عنيف للوضع». ويتحدث عن جانب آخر، وهو أن «التضحية بموظفين وضباط كبار سيجعل الأجهزة تفقد ثقتها في ولي العهد، وهذا أمر شائك». هذه التوقعات سبق وأن تنبأت بها «الفايننشال تايمز» البريطانية في مارس 2018، حيث قالت إن الشرق الأوسط سيشهد موجة جديدة من ثورات الربيع العربي، توقعت أن يكون «ربيعا» غاضبا وعنيفا، هذه المرة، حيث سيأكل الأخضر واليابس. وحول الوضع في السعودية، التي تزعمت رفقة الإمارات الثورة المضادة على الربيع العربي لسنة 2011، تقول الصحيفة إن ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، يسلك نهجا متعدد الجوانب لإصلاح الاقتصاد المعتمد بقوة على النفط ونظام الرعاية الاجتماعية. وقد أغرى الشباب السعوديين بوعودٍ لخلق مجتمع أكثر تسامحا، بما في ذلك رفع الحظر عن قيادة المرأة السيارات. كما سعى إلى تضييق العجز المالي عن طريق خفض نفقات القطاع العام، وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 127 في المائة، وفرض ضريبة على القيمة المضافة. لكن، حتى مع سحق المعارضة في المملكة، واعتقال الأمراء والصحافيين، يسير الأمير الشاب بشكلٍ حذر. فقد أعادت الرياض، بعد ستة أشهر من الاستياء، مكافآت الموظفين في القطاعين المدني والعسكري، واستجابت للشكاوى في غضون أيام من طرح ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة، ورفع أسعار الوقود هذا العام، بمنح موظفي الدولة مكافأة شهرية إضافية قدرها ألف ريال سعودي (276 دولارا) مدة سنة. وإذا كان الأمير محمد سيحقق أهدافه، فسيتعين على الجيل المقبل أن يخُفِّض سقف توقعاته. وتنقل اليومية البريطانية على لسان خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض سابقا، قوله: «نحن على مشارف دولة مختلفة. إذا استمر الضغط الاقتصادي في التدهور، فإن الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها. هل ستستوعب الحكومة رد فعل الشعب؟ هذا ممكن. وإذا لم يكن كذلك، فقد تشهد البلاد مرحلة سياسية صعبة للغاية». تبدو قضية خاشقجي مرهقة ومتعبة كثيرا للسعودية، وقد تجعلها تحت الضغط والابتزاز خلال السنوات المقبلة. فهمي هويدي، المفكر المصري الممنوع من السفر ومن الكتابة منذ سنة 2014، قال في حوار صحافي، تعليقا على مقتل خاشقجي، إن «الحبل يلتف شيئاً فشيئاً حول رقبة محمد بن سلمان، ولا أستبعد أن يكون هناك تحضير لإنقاذ الأسرة الحاكمة والمملكة باستبداله، وبوادر ذلك ظهرت في الضغط الإعلامي الغربي على هذه المسألة تحديداً». وتوقع أن تؤدي الأزمة إلى «خلخلة التحالف السعودي الإماراتي، والتي سيكون أحد تداعياتها إنهاء أو التقليل من حجم مأساة اليمن، والحد من الطموحات الإماراتية في السيطرة على اليمن وثرواتها. هذه أمور قد تجعل الناس في المنطقة تلتقط أنفاسها قليلاً، وتعود إلى الحلم بعدما كانت قد توقفت عنه واستسلمت لليأس». وأضاف هويدي: «إذا سقط محمد بن سلمان، فبلا شك سيُحدِث ذلك أزمة بالنسبة إلى الباقين. أنا، مثلاً، أثق تماماً أن محمد بن زايد لا ينام مطلقاً هذه الأيام، وينتظر ليعرف مصير رفيقه». المغرب.. قوة المهمّشين تبدو الحالة في المغرب مختلفة، لكن يجب الانتباه إلى أنه كان من بين الدول التي عرفت أقوى الاحتجاجات (حراك الريف، جرادة، زاكورة…) خلال السنتين الأخيرتين. فإلى جانب الأردن، حيث أدت الاحتجاجات في يونيو الماضي إلى إسقاط الحكومة، وهو ما لم يقع منذ ثورات سنة 2011، وكذلك السعودية، حيث فرض ولي العهد إصلاحات، مثل رفع أسعار المحروقات وفرض الضريبة على القيمة المضافة، قبل أن يتراجع عنها تحت الضغط والاحتجاج، عرف المغرب احتجاجات قوية، سمتها الرئيسة أنها كانت في مناطق الهامش، وقادها الشباب المعطل من خريجي الجامعات. سعيد السالمي، مخرج وباحث سياسي مقيم في فرنسا، سجّل، في حديث مع «أخبار اليوم»، طبيعة التحول الذي يعرفه المغرب، ففي سنة 2011 كان التغيير سياسيا، «لقد شكلت ثورات الربيع العربي، سنة 2011، فرصة للنظام، حيث تزعمت الطبقة الوسطى الاحتجاجات، التي قادت إلى إحداث تغييرات سياسية ودستورية، لكن جرى الالتفاف على تلك الإصلاحات، قبل أن يُقضى عليها نهائيا سنة 2016 من خلال واقعة «البلوكاج» السياسي ضد رئيس الحكومة المعيّن». بيد أن حراك الريف والاحتجاجات التي واكبته، أو جاءت لاحقة عليه، أظهرت أن «المبادرة اليوم بيد الحركات الاحتجاجية، بقيادة الشباب الجامعي العاطل عن العمل والمهمش»، وأضاف قائلا: «إن الفقراء والمهمشين يطرحون أنفسهم اليوم بقوة في المغرب». لقد أظهر حراك الريف واحتجاجات جرادة كيف يسهم تهميش الشباب في رفع وتيرة الاحتجاج الذي يشي بإمكانية حدوث اضطرابات قوية لو توفر لها الحافز الإقليمي، كما حدث سنة 2011. ويمنح ما حدث في الريف وغيره مصداقية أكبر للدراسات التي توقعت انفجارا لأسباب ديمغرافية. ففي سنة 2015، كان الباحث الفرنسي «لوران شالار»، من جامعة السوربون، قد تنبأ بإمكانية حدوث ثورة في المغرب بين 2017 و2020. وعزا ذلك، بشكل رئيس، إلى التحول الديمغرافي، إذ اعتبرت الدراسة أن هناك عوامل ثلاثة إذا اجتمعت في بلد ما فإنها تحدث ثورة، وهي: النظام السلطوي، وسوء تدبير الاقتصاد، ومرور 25 سنة على بلوغ حالات الولادة ذروتها، وبعبارة أدق، بلوغ الأجيال الجديدة بأعداد كبيرة سن الرشد. وللدلالة على هذه الفرضية، طبقها شالار على حالة الثورة في كل من تونس ومصر، ولاحظت الدراسة أن المغرب هو الآخر يستوفي الشرطي الأول والثاني، وسيتحقق الثالث ما بين 2017 و2020، لذلك تنبأ شالار بحدوث ثورة للشباب في المغرب في تلك الفترة. وتساءل شالار قائلا: «هل هناك ثورة أخرى محتملة في باقي دول شمال إفريقيا؟»، وأجاب: «في الواقع، حسب نظرية «الدومينو»، فإن الثورة ستنتقل إلى دول أخرى، وهو ما حدث في ليبيا». وبعدما استبعد حدوث ذلك في الجزائر بسبب مخلفات العشرية السوداء التي أفقدت السكان القدرة على المواجهة، قال إن المغرب هو المرشح لها هذه المرة. وحسب شالار، فإن المغرب صُنف في الرتبة 116 عالميا في مؤشر الديمقراطية، واعتبر أنه في عهد الملك محمد السادس «أصبح النظام أكثر مرونة، لكنه مازال دكتاتوريا. بيروقراطيته غير فعالة، واستفحل فيه الفساد، كما أن أداءه الاقتصادي يعتبر الأضعف قياسا بالدول المغاربية الأخرى». وفي ما يتعلق بمؤشر النمو والتوزيع العادل للثروة، أشار شالار إلى أن «البؤس مازال يعم أرجاء المملكة، وتنتشر أحياء الصفيح في ضواحي المدن الكبرى، خصوصا في المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان كالدار البيضاء». وإذا كانت السياحة مصدر الدخل الأساسي، فإنها قطاع لا يكفي لخلق فرص الشغل، في حين أن الموارد الأخرى، كالفوسفاط والنسيج والصناعة الغذائية، لا تكفي لاستيعاب البطالة المستشرية في صفوف الشباب. وأكد شالار أن «هذا الوضع قد يؤدي إلى اندلاع الثورة، لاسيما أن ديمغرافية المغرب توصف بأنها قنبلة موقوتة». وقد واكب صعود الديمغرافيا انتشار الفقر والتهميش في صفوف الفئات العمرية ما بين 15 و34 عاما، وهو المعطى الذي أكدته دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الشباب (ماي 2018)، حيث لم يستفد الشباب المغربي بشكل منصف من دينامية النمو التي عرفتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية، ما جعله يعاني الإقصاء والبطالة والحرمان، في الوقت الذي يعيش فيه تحولات قيمية كبرى بسبب انتشار الأنترنت، حيث إن 98,4 في المائة من الفئة العمرية 15-24 تلج الشبكات الاجتماعية. وهو تحول جذري يكشف، حسب سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، «إحباطا واقعيا يصرَّف عبر الانخراط في الشبكات الافتراضية». ونبّه بنّيس إلى الآثار المترتبة على هذا التحول، ومنها «أن الأنترنت أصبح فضاء رئيسا للتنشئة، ولتصريف المواقف السياسية، خصوصا أنه يوفر هامشا واسعا من الحرية لتداول القضايا ذات الأولوية بالنسبة إلى المواطنين». واعتبر أستاذ العلوم الاجتماعية أن هذا التحول «ينقلنا إلى نوع من الديمقراطية التداولية، المتحررة نسبيا من الرقابة الرسمية»، ويجعل الوضع «مفتوحا على جميع الرهانات»..