بعد الأسابيع الطويلة التي سمعت خلالها قعقعة السلاح في النصف الجنوبي للمغرب، حين أقدمت ميليشيا جبهة البوليساريو على اقتحام المنطقة الواقعة شرق الجدار الرملي قرب تفاريتي، وشرعت في إقامة مقار إدارية جديدة تابعة لها، وما تبع ذلك من ردّ مغربي حازم تجسّد في تحرّكات عسكرية ودبلوماسية لإيقاف هذا الاستفزاز؛ جاء التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ليكشف تفاصيل مثيرة حول حرب المواقع العسكرية الطاحنة التي دارت بين المغرب والبوليساريو في الشهور القليلة الماضية. أبرز ما يستخلص من التقرير الأممي الجديد، هو حلّ الإشكالات العسكرية الخطيرة التي طرحت في السنتين الماضيتين، بعدما أقدمت البوليساريو على اقتحام كل من منطقة تفاريتي ومنطقة الكركرات. التقرير يقول إن إبراهيم غالي، زعيم الجبهة الانفصالية، تعهّد شفويا أثناء لقائه المبعوث الأممي هورست كوهلر شهر يونيو الماضي، بعدم العودة إلى المنطقتين. في المقابل، يسجّل التقرير أن العلاقة بين المينورسو والبوليساريو تبقى متأزمة بعدما أصبحت قيادة الجبهة تصرّ على إجراء اللقاءات الرسمية بين الطرفين داخل تراب الصحراء، شرق الجدار الرملي، أي في المنطقة التي تصفها البوليساريو بالمحررة. ورغم تأكيده الاختلاف الواضح في المعاملة التي تلقاها بعثة المينورسو من جانب السلطات المغربية، إلا أن التقرير عاد ليسجّل ملاحظات من قبيل استمرار إلزام بعثة المينورسو باستعمال لوحات ترقيم مغربية لعرباتها، وهو ما اعتبره التقرير مساسا بالحياد المفروض في البعثة الأممية. ورقة المخدرات والإجرام “في الفترة الممتدة منذ صدور تقريري الأخير، ساد الهدوء التام في جميع أنحاء الإقليم على جانبي الجدار الرملي، بالرغم من استمرار التوترات الكامنة بين الطرفين”، يقول غوتيريس، في تقريره الموجه إلى مجلس الأمن الدولي، ممهدا لما سيكشفه من معطيات دقيقة حول التحرّكات العسكرية التي جرت قرب الجدار الرملي في الصحراء. التقرير الذي أسسه غوتيريس على المعطيات التي جمعها كل من مبعوثه الشخصي هورست كوهلر، ورئيس بعثة المينورسو كولين ستيوارت، قال إن البعثة الأممية وقفت على العديد من التحركات العسكرية من جانب كل من المغرب والبوليساريو، والتي طرحت إشكالا بالنسبة إلى البعثة، بالنظر إلى كونه يمسّ بمضامين الاتفاق العسكري. تحركات قال التقرير إن كلا من المغرب وجبهة البوليساريو برراها بالقول إنها ضرورية لمنع الاتجار بالمخدرات وغيره من الأنشطة الإجرامية. وسجّل غوتيريس أن الاتفاق العسكري رقم 1 لا يعالج أنشطة القوات العسكرية في مكافحة التهريب أو منع الجريمة، ما يجعل البعثة الأممية في موقف محرج. بنايات ومواقع مراقبة للبوليساريو التقرير يسرد بعضا من تفاصيل الأسابيع العصيبة التي عاشتها المنطقة، حين كان المغرب يحرّك قواته العسكرية ويعبّئ دبلوماسيا من أجل الرد على استفزازات البوليساريو في منطقة تفاريتي. وعلى امتداد فترة التقرير، يقول غوتيريس إن المغرب زوّد البعثة والأمانة العامة بصور “ساتلية” (ملتقطة عبر الساتل) متنوعة لأنشطة بناء مزعومة شرق الجدار الرملي، “مشيرا إلى أنها تشكل انتهاكا لوقف إطلاق النار أو لأحكام الاتفاق العسكري رقم 1، وعاينت البعثة المناطق المعنية بالأمر، ولم نجد في سبع حالات أنها تشكل انتهاكات، ولاتزال التحقيقات جارية في ثمان حالات أخرى، بما في ذلك حالة بير لحلو”. في المقابل، يورد التقرير أنه وفي ماي الماضي، “أكدت البعثة سير أشغال بناء هيكل كبير من طابق واحد بالقرب من تفاريتي، يتألف من حوالي 36 غرفة، وأبلغ الممثل العسكري المحلي لجبهة البوليساريو المراقبين العسكريين التابعين للبعثة أن البناية هي منشأة مدنية”. هذا التبرير الذي قدمته البوليساريو، سرعان ما سقط حين حاول أفراد بعثة المينورسو التحقق من صحته، ذلك أن “أفراد عسكريين تابعين للجبهة يحرسون البناية، منعوا البعثة من الوصول إليها، كما تم رفض عدة طلبات لاحقة للدخول إلى الموقع، وأحيلت المسألة إلى الفريق العامل المعني بالانتهاكات باعتبار ذلك انتهاكا لحرية التنقل، وفي المرحلة الحالية، لا يجري استخدام البناية، ولم يتم تحديد وظيفتها المقصودة”. ويضيف التقرير أن جبهة البوليساريو وبعد وقت قصير من اندلاع الأزمة في الكركرات عام 2016، أقامت أربعة مواقع عسكرية صغيرة داخل القطاع العازل، على بعد 20 كيلومترا تقريبا صوب الجنوب الشرقي من منطقة الكركرات، وهي مواقع أعلنت البعثة أنها تشكل انتهاكات. “وبعد تلقي إخطار من قائد القوة، انسحبت جبهة البوليساريو من ثلاثة مواقع وأبقت على وجود عسكري صغير في موقع “النقطة 6″، على بعد 16.6 كلم شرق طريق الكركرات، و4 كيلومترات جنوب الجدار الرملي. ولايزال ذلك الوجود يشكل انتهاكا، وبررت البوليساريو الإبقاء عليه بسبب الحاجة إلى مواصلة رصد التطورات في الكركرات والحفاظ على الاستعداد للرد في حال قرر المغرب استئناف أشغال بناء الطريق داخل الشريط العازل”. وقبيل الجولة الأخيرة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، أي في ماي الأخير، أبلغت الجبهة البعثة الأممية اعتزامها إنشاء 9 مراكز عسكرية جديدة بالقرب من منطقة بير لحلو، شرق الجدار الرملي. “وبررت ذلك بأنها تحتاج إليها للتصدي لازدياد الاتجار بالمخدرات في المنطقة، وقامت البعثة فورا باستطلاع المواقع الجديدة المقترحة، وفي 27 مارس وجهت رسالة إلى جبهة البوليساريو تحذر فيها من أن المواقع الجديدة المقترحة تشكل انتهاكا للاتفاق العسكري رقم 1”. المغرب يجدد 63 كلم من الجدار في الجانب المغربي، يحكي التقرير كيف أنه وفي أواخر مارس 2018، لاحظت دورية برية تابعة للبعثة، أن القوات المسلحة الملكية كانت بصدد إعادة بناء جدار رملي شيد بالقرب من منطقة المحبس في العام 1987. “طلب الجيش المغربي الإذن للعمل في كل من فبراير وأبريل ويونيو 2017، ورفضت البعثة الطلبات الثلاثة جميعا، مشيرة إلى أن إعادة بناء جدار كان موجودا في السابق يشكل تعزيزا ينتهك الاتفاق العسكري رقم 1”. التقرير يضيف أنه ورغم رفض البعثة طلبات الترخيص، “اكتشفت أشغال تشييد جدار جديد أكبر حجما، بعلو يتراوح بين 3 و4 أمتار، وعرض يتراوح بين 8 و10 أمتار، فوق جدار قائم علوه يتراوح بين متر واحد ومتر ونصف، على مساحة طولها 63.8 كلم تمتد من الشمال إلى الجنوب بالموازاة مع الجدار الرملي، ولاحظوا أيضا عدة مراكز مراقبة جديدة، فضلا عن أربعة بوابات في الجدار تتيح إمكانية الوصول بين الوحدات الواقعة بالقرب من الجدار الرملي”. بناء على هذه التطورات، أبلغ القوات المسلحة الملكية البعثة أنه يعتزم إزالة جميع مراكز المراقبة بالقرب من الجدار المشيد حديثا، مع الإبقاء على البوابات الأربعة. “واقترح الجيش الملكي الإبقاء على أربعة جنود غير مسلحين في كل واحدة من البوابات. وأكد الجيش المغربي أن كلا من الجدار المعزز والمنشآت الجديدة لازم لتعزيز قدرته على منع تهريب المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية. وقال أيضا إن تلك الأشغال، إنما هي إصلاح هيكل كان موجودا من قبل، وبالتالي، فهي ليست انتهاكا، غير أن الاتفاق العسكري رقم 1 لا ينص على أي استثناء يتصل بإصلاح هياكل موجودة سلفا”. بعد نحو شهرين من ذلك، وفي أواخر ماي 2018، اكتشفت البعثة 13 مركز مراقبة جديدا تابعا للجيش الملكي المغربي، على بعد 15 كيلومترا تقريبا من الجدار الرملي في بير غندوز، في الجزء الجنوبي من الإقليم، “أحيلت المسألة على الفريق العامل المعني بهذه الانتهاكات، الذي قرر أن تلك المراكز تشكل انتهاكا للاتفاق العسكري رقم 1، وكشفت دورية برية أخرى وجود 10 مراكز مراقبة جديدة إضافية في مواقع مجاورة، ولم تزل هذه المسالة وقت إعداد التقرير قيد نظر الفريق العامل المذكور”. الانفصاليون ينسحبون من جانبه آخر، يقول التقرير إنه لوحظ منذ 22 أبريل 2018، غياب “شرطة” الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، جبهة البوليساريو، من المنطقة العازلة الكركرات. “وأكد الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، لمبعوثي الشخصي شفويا أثناء اجتماعهما في رابوني، الجزائر، في 26 يونيو 2018، أن ذلك الانسحاب هو انسحاب دائم وفي ضوء هذا التطور، بدأت البعثة في منتصف يوليوز بتقليص أنشطة الرصد التي تضطلع بها في ساعات النهار بمنطقة الكركرات”. غوتيريس أوضح أن البعثة ستواصل دورياتها الجوية والبرية الاعتيادية في المنطقة، “وتعهد السيد غالي، أيضا، في الاجتماع نفسه، الذي عقد في يونيو، بعدم نقل أي منشآت إدارية جديدة إلى بير لحلو أو تفاريتي، عملا بالقرار 2414”. ويضيف التقرير أنه ابتداء من منتصف يوليوز بدأ مركز المراقبة المؤقت الذي أقامته المينورسو في غشت 2016 بالكركرات، في خفض وجوده اليومي، وذلك عقب انسحاب “شرطة” جبهة البوليساريو منذ 22 أبريل. “وسوف يواصل المركز رصد المنطقة بواسطة الدوريات البرية والجوية الاعتيادية. وسيساعد ذلك في تخفيف العبء الواقع على العنصر العسكري للبعثة، بالتخلص من الحاجة إلى تخصيص فريق بحجم متوسط للقيام بهذه المهمة”. التقرير الأممي الجديد ردّد المخاوف التي وردت في النسخ السابقة، وقال إنه بسبب المخاوف الأمنية، مازالت الدوريات الليلية شرق الجدار الرملي محدودة في مساحة شعاعها 100 كلم انطلاقا من مواقع الأفرقة، ولا تجري الدوريات الليلية في أي من جانبي الجدار الرملي. “وقد وافقت الجمعية العامة في ميزانية البعثة للسنة المالية 2018-2019 على تمويل اقتناء ملاجئ الحماية المحصنة المقترحة لجميع مواقع الأفرقة شرق الجدار الرملي، مما سيسهم في الترتيبات الجارية لحماية المراقبين العسكريين في هذه المناطق”. الاستثمار المغربي مستمر في أثناء الفترة المشمولة بالتقرير، يقول الأمين العام للأمم المتحدة إنه “وبقدر ما استطاعت البعثة أن تعاينه، واصل المغرب القيام باستثمارات مهمة في مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية غرب الجدار الرملي”. إنجازات يقول التقرير إن المغرب يعتبر أنها تعود بالنفع على “شعب” الصحراء، ويجري تنفيذها بالتشاور الكامل معه. “ولاتزال البوليساريو تحتج بأن الأنشطة الاستثمارية والإنمائية وأنشطة استغلال الموارد الطبيعية للصحراء الغربية، ينطوي على انتهاك للقانون الدولي ولمركز الصحراء الغربية بوصفها إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي. كما تزعم جبهة البوليساريو أن قوات الأمن المغربية تقمع بطريقة ممنهجة وبعنف، جميع أشكال التعبير عن الانشقاق التي ينخرط فيها السكان الصحراويون غرب الجدار الرملي، ولا سيما المظاهرات المؤيدة للاستفتاء أو الاستقلال”.