رغم الانقسام الذي أحدثه وسط الأغلبية البرلمانية في جلسة تقديمه أول أمس، استطاعت الحكومة أن تمرر مشروع مرسوم بقانون المتعلق بإحداث الصندوق المغربي للتأمين الصحي، في جلسة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب أمس، في الوقت الذي تتخوف من “بلوكاج” لنفس المشروع في الغرفة الثانية. وحصل مشروع المرسوم بقانون على دعم وتأييد فرق الأغلبية إضافة إلى الفريق الاستقلالي المعارض، بينما ظل فريق حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة) على موقفه الرافض للمشروع. وقدّم مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، الذي عوّض غياب وزير الشغل محمد يتيم بسبب ترؤسه المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مبررات إضافية حول خيار الحكومة تحويل “الكنوبس” إلى مؤسسة عمومية بمشروع مرسوم بقانون، منها أن “الكنوبس” دخل مرحلة عجز نتيجة التفاوت بين الاشتراكات والأداءات، يقدر ب100 مليون سنتيم كل يومين، محذرا “إذا لم نعالج العجز الآن، فإن المشكل قد يتعمق أكثر في السنوات”. وكانت الجلسة الأولى أول أمس عرفت انقساما حادا وسط فرق الأغلبية أساسا، التي انضمت جميع فرقها النيابية، باستثناء فريق العدالة والتنمية، إلى صفوف المعارضة التي رفضت مناقشة مشروع القانون بمرسوم، قبل أن تتحرك الهواتف لتعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي. وتعوّل الحكومة على تمرير نفس مشروع المرسوم بقانون في الغرفة الثانية هذا اليوم، بحيث تسعى إلى تقديم مشروع القانون ومناقشته ثم المصادقة عليه، على اعتبار أن غدا الخميس سيُغلق البرلمان أمام أي نشاط برلماني، بحيث يخصص للإعداد لافتتاح السنة التشريعية بعد غد الجمعة، والتي تتميز بالخطاب الملكي الذي يلقيه الملك محمد السادس. هذا، واستأنفت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب فرق الأغلبية البرلمانية، أمس، مناقشة مشروع المرسوم بقانون متجاوزة بذلك انقسامات أول أمس، ما دعا بوعرفة عدّي، برلماني عن فريق الأصالة والمعاصرة، إلى السخرية منها بقوله: “أفرحني اليوم أن فرق الأغلبية جاءت متفقة”. وأكد بوعرفة على نفس الموقف الذي عبّر عنه في الجلسة الأولى أول أمس الاثنين، “على الحكومة أن تسحب هذا القانون، وأن تعيده إلينا في شكل مشروع قانون عادي. صحيح أن الفكرة نبيلة، لكن لا بد من الاستشارة وإشراك الجميع”. لكن على خلاف الموقف المعارض لفرق “البام”، انحاز الفريق الاستقلالي إلى صف الأغلبية الحكومية، وذلك على لسان ممثله في لجنة القطاعات الاجتماعية، طارق القادري، الذي أكد أن حزبه مع “تجويد وتحديث منظومة الحماية الاجتماعية، وتوحيد نظامها القانوني”، مؤكدا أن “تحويل “الكنوبس” إلى مؤسسة عمومية هو خطوة نحو الإصلاح الشامل لهذه المنظومة”. ورافعت فرق الأغلبية لصالح مشروع المرسوم بقانون، منوهة بمبادرة الحكومة، وقالت على لسان البرلماني عن فريق العدالة والتنمية، مصطفى الإبراهيمي، إن مشروع المرسوم بقانون هو “مشروع كبير، وربما كان بحاجة إلى مشاورات أوسع، لكن نحن نتفهم إكراهات الحكومة التي يبقى من حقها التشريع بين دورتي البرلمان”، وانتقد الإبراهيمي بشدة الجهات التي تعرقل تنزيل القوانين، مؤكدا أن قانون التغطية الصحية للمستقلين “ظل بمجلس المستشارين 8 أشهر دون أن يُعرض للمناقشة”، كما أن مشروع قانون التغطية الصحية للوالدين تعرض ل”بلوكاج” في الغرفة الثانية، متسائلا: “من يعرقل مشاريع القوانين هاته؟”. وأيد الإبراهيمي مشروع الحكومة تحويل “الكنوبس” إلى “مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وبمجلس إداري”، لتجاوز اختلالات “الكنوبس” الذي “يشكو من سوء الحكامة، ويعمل فيه البعض بمنطق استفاد يستفيد”، وقال موجها الخطاب للحكومة “إذا كان هناك فساد في بعض التعاضديات، فيجب أن يحاسبوا”. واقترح الإبراهيمي التصويت على مشروع المرسوم بقانون “برمته”. وهو الاقتراح الذي تبنّته اللجنة، بحيث لم يناقش مشروع المرسوم بقانون بشكل مفصل مادة مادة، وتم الاكتفاء بإبداء ملاحظات شكلية. وينتظر أن يحال المشروع على الغرفة الثانية، وتعوّل الحكومة على الفرق البرلمانية أن تناقش وتصادق على مشروع القانون بمرسوم في يوم واحد هو اليوم الأربعاء، وفي حال لم توافق تلك الفرق، خصوصا الممثلة لأحزاب المعارضة وللنقابات، فإن مشروع القانون بمرسوم قد يلقى نفس المصير الذي واجه مشاريع قوانين حيوية أخرى مثل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، والقانون المتعلق بالنقابات، وأيضا القانون المتعلق بالتغطية الصحية للوالدين، وهي مشاريع ترمي إلى تقوية منظومة الحماية الاجتماعية والسلم الاجتماعي، لكن الحسابات السياسية بين بعض النقابات والحكومة السابقة كانت قد أدخلتها إلى غرفة “البلوكاج”، ولا زالت هناك.