في الوقت الذي استعجلت فيه الحكومة تمرير مشروع قانون بمرسوم يتعلق بإحداث صندوق للتأمين الصحي في البرلمان، اصطدمت برفض جل الفرق البرلمانية في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب مناقشته، باستثناء فريق حزب العدالة والتنمية، الذي ساير رغبة الحكومة ممثلة في وزير الشغل محمد يتيم. الحكومة تبرر الاستعجال بالأزمة التي يعيشها “الكنوبس”، لذلك صادقت على مشروع القانون يوم الخميس الماضي وأحالته في اليوم نفسه على مجلس النواب، الذي برمج مناقشته على وجه السرعة، كذلك، أمس الاثنين على الساعة 11 صباحا، بينما لم تتوصل بعض الفرق البرلمانية بمشروع القانون إلا ساعات قبل موعد المناقشة. واحتجت الفرق، أغلبية ومعارضة باستثناء فريق “البيجيدي”، على الاستعجال الحكومي، خصوصا وأن افتتاح السنة التشريعية لم يتبق لها إلا أربعة أيام، وعبّرت عن موقف واحد رافض لمناقشة القانون، وكما دعت إلى سحبه، على أن يناقش كمشروع قانون في الدورة التشريعية المقبلة بعد افتتاح البرلمان. وكان مفاجئا أن الذي تزعم هذا الطرح فرق من الأغلبية الحكومية، منهم فريق الاتحاد الاشتراكي وفريق التجمع الدستوري ومجموعة التقدم والاشتراكية. ولم تكتف البرلمانية حنان رحاب بالتعبير عن موقف فريقها الرافض لمناقشة مشروع القانون بمرسوم، بقولها “نحن نستغرب الاستعجال الحكومي”، بل انخرطت في تعبئة النواب الآخرين من ممثلي الفرق البرلمانية أغلبية ومعارضة، في حين عبّر عبدالودود خربوش، ممثل فريق التجمع الدستوري، عن موقف قاطع “أنا لست عضوا في هذه اللجنة، وإنما انتدبت لأبلغكم موقف فريق التجمع الدستوري، نحن نستغرب أن مشروع هذا القانون لم يصلنا سوى هذا الصباح، ولسنا مستعدين لمناقشته”. وسار جمال بنشقرون، عن المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، في الموقف نفسه، بمبرر “الحاجة إلى توسيع المشاورات مع المعنيين بهذا القانون”. ورفض فريق العدالة والتنمية هذه المبررات، وقال مصطفى الإبراهيمي “أنا لا أعاتب الحكومة على الاستعجال، بل أعاتبها على التأخر في إعداد مشروع القانون وإحالته على البرلمان”، وأضاف “إذا كان هناك من سبب للاحتجاج على الحكومة، فيجب أن نحتج وننتفض على الجهات التي أخرت قوانين ذات أهمية مثل قانون التغطية الصحية للمهن الحرة الذي استغرق سنتين بالمؤسسة البرلمانية، وقانون التغطية الصحية للوالدين، الذي لازال مجمدا في مجلس المستشارين منذ الحكومة السابقة. واعتبر الإبراهيمي أن المسطرة التي سلكتها الحكومة تبقى دستورية، رغم طابعها الاستعجالي. وحين تساءل عدّي بوعرفة، عن فريق الأصالة والمعاصرة، حول مدى استشارة الحكومة للتعاضديات خلال إعداد مشروع القانون، ردّ الإبراهيمي منتفضا: “إن بعض التعاضديات يجب أن تُحاكم، لأنه من المنكر أن تصرف 400 مليون سنتيم على اجتماع واحد”. محمد يتيم، وزير الشغل، حاول إمساك العصا من الوسط، حين ذكّر ممثلي فرق الأغلبية بأن “مشروع القانون بمرسوم وافقت عليه الأغلبية الحكومية، وصادق عليه المجلس الحكومي”، مؤكدا أن لجوء الحكومة إلى مسطرة “مشروع قانون بمرسوم” ممارسة عادية مؤطرة بالدستور وبالقانون، و”ليست بدعة اخترعتها هذه الحكومة”. وردا على النواب الذين عابوا على الحكومة استعجاليتها في إحالة هذا القانون على البرلمان قبل أربعة أيام من افتتاح الدورة، ردّ يتيم بأن “الاستعجال من تقدير الحكومة”. وأضاف أن المركزيات النقابية أخبرت بمشروع القانون، وكانت هناك موافقة منها، وهي موجودة في الغرفة الثانية التي سيحال عليها مشروع القانون بمرسوم بعد المصادقة عليه في مجلس النواب. ورفض يتيم قول بعض نواب الأغلبية بأن الحكومة تسعى إلى تهريب نص القانون، مؤكدا أن التأخر كان بسبب الاستشارات مع الهيئات المعنية. لكن رغم إشارات يتيم بأن مشروع القانون صادقت عليه الأغلبية، فقد ظلت ممثلة الفريق الاشتراكي على مواقفها، وقالت رحاب “نحن هنا نمثل الأغلبية البرلمانية، وليس الأغلبية الحكومية، ويجب أن تعطونا فرصة للمناقشة”، في حين تراجع ممثل فريق التجمع الدستوري بالقول: “نحن مع تقديم القانون اليوم، ومناقشته لاحقا”، وهو الموقف الذي انحاز إليه جمال بنشقرون ممثل المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، ودفعت في اتجاهه رئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية سعيدة آيت بوعلي عن الفريق الاستقلالي. لكن النقاش خرج عن سكته في لحظات معينة، بسبب تصريحات لعدي بوعرفة عن فريق “البام”، الذي واجه نواب “البيجيدي” بقوله: “إن الإرهاب لا يرهبنا”، ما أدى إلى بلوكاج في أشغال اللجنة، اضطرت معه رئيستها إلى توقيف أشغالها لحوالي 15 دقيقة. واستأنفت اللجنة أشغالها على أساس اتفاق وسط، قضى بأن يقدم الوزير محمد يتيم مشروع القانون بمرسوم، على أن يناقش اليوم في اللجنة نفسها، وهي البرمجة التي كان مكتب اللجنة البرلمانية قد وضعها منذ البداية، لولا الانقسام في صفوف فرق الأغلبية البرلمانية.