على الرغم من دخول القانون المتعلق بمحاربة العنف والتحرش ضد النساء بالمغرب حيز التنفيذ، في 12 شتنبر الجاري، إلا أنه لا يزال يثير جدلا واسعا، بين من يعتبرونه قانونا “ثوريا”، ينصف المرأة ويضع حدا لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها، وحمايتها. وتسبب العنف ضد النساء بالمغرب في مقتل 81 امرأة، خلال عام 2016، بحسب منسق المرصد الوطني للعنف ضد النساء. ولم تسلم النساء المسنات من تصاعد العنف ضدهن، حيث تعرضت 792 مسنة عام 2016 للاعتداء مقابل 883 عام 2015، وفق جمال الشهادي، منسق المرصد ذاته. وفي نونبر2017، قالت ليلى رحيوي، ممثلة هيأة الأممالمتحدة للمرأة بالمغرب، إن حوالي 6 ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف، بما يمثل 62 في المائة من مجموع نساء البلاد حاليًا. قانون “ثوري” قبل ساعات من دخول القانون حيز التنفيذ، قالت وزيرة الأسرة والتضامن المغربية، بسيمة الحقاوي، إن “القانون الجديد يعتبر قانونا ثوريا”. وأضافت، وقتها، في حديث للأناضول، أنه “بعد مدونة (قانون) الأسرة، التي اعتمدها البلد عام 2004، يمكن القول إننا أمام قانون ثان ينصف المرأة، ويحميها من العنف، الذي يطالها”. وينص القانون على تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررًا بالمرأة كالإكراه على الزواج، والتحايل على مقتضيات الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن وغيرها، كما تم التوسع في صور التحرش الجنسي، التي يعاقب عليها القانون، وتشديد العقوبات في هذا الإطار. وأوضحت الحقاوي، ضمن تصريحها، أن “القانون الجديد يتميز بأربعة أبعاد، الوقائي، والحمائي، والتكفلي، والزجري”، مؤكدةً أن “إقرار القانون، استغرق أكثر من خمس سنوات من النقاش العمومي والإنصات، في إطار الديمقراطية التشاركية”. ويعتبر القانون، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والمستشارين)، منتصف فبراير الماضي، أول تشريع خاص بمحاربة العنف ضد النساء في المغرب، حيث تعد الظاهرة من القضايا، التي تؤرق المجتمع، وفعالياته الحقوقية والمدنية. نحو ثقافة “تحترم” المرأة وغير بعيدة عن الحقاوي، ثمنت عزيزة البقالي، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، الخطوة، واعتبرت وجود قانون يجرم العنف، الذي يمارس ضد المرأة “أمراً إيجابياً” في حد ذاته، مؤكدةً أنها “تراهن على القانون كآلية بيداغوجية لنقل ثقافة المجتمع إلى ثقافة تنبد العنف، وتحترم المرأة، وتقدرها”. وقالت البقالي في حديث مع الأناضول إن “الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة لا يمكن أن يعالجه القانون وحده”. واستدركت أن “هذا القانون الذي يتضمن عقوبات رادعة للمتحرشين بمختلف الفضاءات، يمكن أن يساهم في القضاء على مظاهر الجرأة على إهانة المرأة، والحط من كرامتها، واستباحة جسدها”. وشددت البقالي على ضرورة مضاعفة حملة التوعية بالقانون والعقوبات الرادعة فيه لجرائم العنف والتحرش بالمرأة، إذ تركز على ضرورة تقدير المرأة واحترامها، والقيام بتوعية استباقية لضمان عدم ارتكاب أفعال عنف لفظي أو جسدي ضدها، لأننا لا نريد أن نصل إلى دوامة المحاكم، ومتاهات إثبات الحوادث وتعقيداتها”. مقارنات وفي مقارنة بين القانون الجنائي، والقانون المستحدث المتعلق بمحاربة العنف والتحرش ضد النساء، يلاحظ تغييرا في نصوصهما المشتركة، مع رفع عقوبات الحبس، والغرامات المالية في القانون المستحدث. ونص القانون الجنائي على أنه “من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة بالإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وغرامة من 120 إلى 500 درهم”. ونص أيضا على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين، وبالغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (500 إلى 5 آلاف دولار)، بسبب جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر، أو تهديدات، أو وسائل للإكراه، أو أي وسيلة أخرى مستغلا السلطة، التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية”. فيما يعاقب القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف والتحرش ضد النساء، بالحبس من شهر واحد إلى 6 أشهر وغرامة من ألفين إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الأماكن العامة، أو غيرها بأفعال، أو أقوال، أو إشارات ذات طبيعة جنسية، أو لأغراض جنسية. كما يعاقب بالحبس من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (500 إلى 5 آلاف دولار)، إذا ارتكب التحرش من طرف أحد الأصول، أو المحارم، أو من له ولاية أو سلطة على الضحية، أو إذا كانت الضحية قاصرا. ونص القانون، أيضا، على عقوبة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، وغرامة من 10 آلاف إلى 30 ألف درهم (ألف إلى 3 آلاف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط لمن أكره شخصا على الزواج باستعمال العنف أو التهديد. وتصل عقوبة الاختطاف، والاحتجاز إلى 20 سنة سجنا، بعدما كانت عشر سنوات. وخصص القانون الجديد عقوبة خاصة على السب المرتكب ضد امرأة بسبب جنسها بغرامة من 12 ألف إلى 60 ألف درهم (ألف و200 إلى 6 آلاف دولار). كما يعاقب على القذف المرتكب ضد المرأة بسبب جنسها بغرامة من 12 ألف إلى 120 ألف درهم (ألف و200 إلى 12 ألف دولار). “طموح بعيد المنال” وبعكس ما ذهبت إليه حقاوي والبقالي، ترى بثينة قروري، رئيسة اللجنة الموضوعاتية المكلفة بالمناصفة والمساواة في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، أن القانون “يضمن الحد الأدنى من عناصر الحماية للنساء ويشكل أرضية صلبة يمكن أن تعمل على محاربة ظاهرة العنف ضد النساء”. وأشارت قروري في حديث للأناضول إلى أن دخول القانون حيّز التنفيذ، سيظهر بعض العيوب وجوانب القصور، التي يتضمنها. وشددت المتحدثة نفسها على أن “الممارسة والتنزيل سيظهران الحاجة إلى العمل على معالجة هذه العيوب من خلال تقديم تعديلات على القانون”. واعتبرت قروري، وهي أيضا برلمانية عن حزب العدالة والتنمية قائد التحالف الحكومي بالبلاد، أن “المسؤولية الجسيمة في تنفيذ هذا القانون تقع على عاتق المكلفين بتنفيذه، وتحديدا الشرطة القضائية والقضاة”، مشددةً في الآن ذاته على أن “التطبيق السليم لهذا القانون سيسهم في حماية النساء وصيانة حرمة أجسادهن”. واستبعدت قروري أن ينجح القانون في “استئصال” ظاهرة العنف ضد النساء في المغرب، معتبرة ذلك “طموحا كبيرا لا يزال بعيد المنال”، وقالت: “الحديث عن استئصال العنف ضد النساء طموح كبير، ولا أعتقد أن المقاربة الزجرية، التي سيشكل هذا القانون جزءا منها كافية للقضاء على ظاهرة معقدة هي نتيجة لأسباب متعددة”. وأشارت النائبة البرلمانية ذاتها إلى أن “هناك العديد من الدول المتقدمة، التي تتوفر على قوانين متطورة، وبنيات استقبال للتكفل بالنساء ضحايا العنف لم تستطع القضاء النهائي على العنف ضد النساء”. وأوضحت قروري أن الأمر في اعتقادها “يتطلب مقاربة شمولية تتداخل فيها عناصر متعددة، من قبيل التربية والثقافة والإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمسجد، والمسرح، والجمعية، والسينما والمدرسة، وذلك في إطار مقاربة استباقية ووقائية حقيقية”. قانون فضفاض وأحادي وترى ثرية السعودي، رئيس فرع منظمة اتحاد العمل النسائي بالرباط، أن تحقيق الحماية الكافية للنساء من العنف في القضاء العام وحمايتهن من التحرش الجنسي “لاتزال مستبعدة”. وسجلت السعودي، في حديث للأناضول، ملاحظات سلبية لمنظمتها على القانون، منها أنه “صدر بطريقة أحادية من طرف الحكومة، التي لم تنصت فيه إلى جمعيات المجتمع المدني، كما لم يأخذ مقترحاتهم في الموضوع بعين الاعتبار”. ومع ذلك، أفادت الناشطة الحقوقية بأنه يمكن القول إن الصدى، الذي خلفه القانون “إيجابي”، مستدركة بالقول: “لكن غير كاف”. وأضافت السعودي أن القانون “فضفاض وترك ثغرات كبيرة”، مستدلة على ذلك بالقول: “في قضية التحرش مثلا يقول القانون: “إذا أمعن المتحرش”، لكنه لم يحدد كيف يكون هذا الإمعان هل باللمس أم ماذا؟ وهذه مشاكل حقيقية، وبالتالي، نحن لا نعول كثيرا على هذا القانون في تحقيق كرامة المرأة، وحمايتها من التحرش في الفضاء العام”.