سيون أسيدون خلال الأسبوع المنصرم، وتحديدا في ليلة الثلاثاء 11 إلى الأربعاء 12 شتنبر، وصلت رسالة من الهيئة التي تقود الحمة العالمية لمقاطعة إسرائيل، مطلقة صافرة الإنذار بسبب برمجة 3 أفلام سينمائية مغربية في المهرجان السينمائي الصهيوني المرتقب تنظيمه بمدينة حيفا، ابتداء من 22 شتنبر. فبماذا يتعلق الأمر؟ تلقينا الجواب يوم 12 شتنبر، من خلال معطيات مستقاة من الموقع الإلكتروني لمهرجان حيفا، ويتعلق الأمر بكل من المخرج نبيل عيوش، بفيلم “غزية”، والمخرجة نرجس النجار، عبر فيلم “لا موطن”، ثم المخرجة مريم بنمبارك، عبر فيلمها “صوفيا”، إنه هجوم مركز إذن. هل ستكفي 10 أيام المتبقية على موعد المهرجان لإقناع المخرجين المغاربة الثلاثة بسحب أفلامهم وعدم المشاركة؟ في الواقع، لا أحد كان يعرف حينها أن مخرجي الأفلام الثلاثة غير مدعوين للمهرجان، وأنهم لا يعرفون حتى بأمر المشاركة، وأن القرار اتخذ دون استشارتهم من طرف موزعي الأفلام، الذين يتصرفون كمالكين لحقوق الأعمال الفنية، والذين يتصرفون عادة في الأفلام بدلا من مخرجيها. انطلقت الحملة بشكل فوري، حيث جاءت الأصداء قوية منذ البداية عبر الإنترنيت. تحركات مكثفة من مختلف الألوان الإيديولوجية لرأينا العام، عبر شبكات التواصل الاجتماعي. إنها نتيجة لميكانيزمات الدفاع الذاتي التي مازالت سليمة داخل بنائنا الاجتماعي المستهدف. سيل من الرسائل من جميع الجهات بعثت إلى المخرجين السينمائيين الثلاثة، والذين سرعان ما شرعوا في التحرك، هذا إن لم تكن ردود فعلهم تلقائية بمجرد علمهم ببرمجة أفلامهم في المهرجان. كان لا بد من إنقاذ الشرف، نعم، شرف المغرب وكرامة المبدعين، واحترام الأعمال الفنية. الآن، يمكننا أن نعلم أنه ومنذ مساء السبت الماضي، أي بعد ثلاثة أيام، وعد المخرجون السينمائيون الثلاثة بمباشرة إجراءات سحب الأفلام. بادر نبيل عيوش إلى الاتصال بحملة BDS، ليخبرها أنه تمكن من إقناع الشركة الموزعة بسحب الفيلم من المهرجان. نرجس النجار بدورها بعثت رسالة مكتوبة بنفس المضمون، بينما أعلنت مريم بنمبارك عبر بيان أنها ستسحب فيلمها. نحن الآن، في انتظار السحب الفعلي للأفلام الثلاثة من مهرجان حيفا. التطبيع هذه الأحداث أخرجت إلى الواجهة ثلاثة أسئلة أساسية، أولها يتعلق بهذا الاهتمام المفاجئ من طرف الاحتلال الإسرائيلي بالسينما المغربية. ثلاثة أفلام دفعة واحدة. هل كان ذلك مجرد صدفة؟ فهي لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها الترويج لأفلام مغربية في إسرائيل، لكننا يمكن أن نجزم بكون السينما المغربية هي من كانت مستهدفة هذه المرة. هي المرة الأولى التي يحاول فيها الاحتلال الإسرائيلي التطبيع مع المغرب من خلال ميدان السينما. تصوروا مثلا لو أن الطموح كان هو منح جائزة لأحد الأفلام المغربية، وبالتالي خلق أمر واقع مفاده أن إسرائيل منحت جائزة لفيلم مغربي، وبالتالي سيصبح المغرب معنيا بشكل رسمي، خاصة أن واحدة من المخرجين المعنيين، (نرجس النجار) هي مديرة للخزانة السينمائية بالمغرب، وبالتالي لن تكون معنية بالتتويج كمخرجة للفيلم فقط. ومن المشرف للمعنية بالأمر أنها كانت أول من بادرت لسحب الفيلم من المهرجان الإسرائيلي. فقبل شهرين فقط، كان وفد مكون من 11 شخصا، مكون مرة أخرى من مثقفين مدعوين، استقبلوا في مواقع رمزية ومن طرف مؤسسات رسمية. فمحاولة التطبيع مع النخبة مستمرة، سواء عبر الفن أو الجامعة أو الصحافة. إن محاولة التطبيع مع المغرب انطلقت بشكل مبكر جدا. فمنذ 1961 انطلق التطبيع على مستوى أجهزة المخابرات على الأقل. وفي تلك المرحلة جرى التفاوض حول تسهيل هجرة الطائفة اليهودية بالمغرب نحو فلسطين، وهي الهجرة التي تمت في الستينيات. بعد ذلك، جاء التطبيع العسكري خلال عقد السبعينيات، من خلال شراء المعدات العسكرية. أما التطبيع البحري فبدأ في 1984، من خلال إحداث شركة ZIMAG المكلفة بتدبير مصالح شركة صهيونية للنقل البحري، شركة ZIM، والتي تكفلت بتنظيم الربط البحري بين ميناء حيفا موانئ طنجة والدار البيضاء وأكادير. في تلك الفترة انطلق التطبيع الاقتصادي، خاصة منه في المجال الفلاحي. أما التطبيع السياسي، فانطلق في التسعينيات، بعد اتفاق أوسلو، حيث أقيمت علاقات دبلوماسية قبل أن يتوقف ذلك مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي. والمثير في الأمر هو أن كل شكل من أشكال التطبيع، يهم مجموعة صغيرة ومحددة، إذ لا يمكن للجميع أن يحصل على أنظمة السقي بالتنقيط ولا البنادق الهجومية. التطبيع الثقافي بدوره استهدف مجموعة من المثقفين، لكنه في النتيجة يهم مجموع الساكنة. فالأمر يتعلق بتطبيع مع النفوس. فإذا أذعنت النخبة، من الذي سيرفع لواء النضال ضد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟ من سيحمل راية التصدي للإفلات من العقاب؟ الخطير اليوم، هو أن فئة من الشباب المثقف لم تعد ترى في إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي أية مشكلة. التطبيع يعني قبول الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، من قبيل التطهير العرقي الذي يتم عبر طرد السكان الأصليين لإقامة المستوطنات، ومن خلال سياسة الأبارتايد، أي تمييز فئة اثنية وحرمانها من حقوقها الأساسية، ومن خلال التعذيب الممارس بشكل تلقائي ضد الأسرى. التطبيع يعني قبول جرائم الحرب من قبيل الاستيطان واستهداف السكان المدنيين والاعتقال بدون محاكمات، بما في ذلك الأطفال، وتغيير الواضع الديمغرافي… المقاطعة أمام هذ الوضع، وأمام عجز المجتمع الدولي عن حماية السكان الفلسطينيين المدنيين، أطلق المجتمع المدني نداء إلى ضمائر العالم، من أجل الضغط على نظام الفصل العنصري المسؤول عن كل الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني. إنه نداء BDS الذي صدر في 9 يوليوز 2005. إنه نداء مقاطعة شاملة، دبلوماسية وسياسية وعسكرية وثقافية وأكاديمية واقتصادية. وإلا لماذا ستكون الأسباب المبررة لمقاطعة النظام العنصري اقتصاديا استثناء حين يتعلق الأمر بالمقاطعة الثقافية؟ هل للحفاظ على علاقات مع اليسار؟ مع النشطاء السلميين؟ مع فلسطينيي الداخل؟ إن الفلسطينيين أنفسهم يطالبون بالمقاطعة. بل إن الصهاينة الليبراليين أصبحوا يطالبون بدورهم بالمقاطعة، معتبرين أنها السبيل الوحيد لإحداث تغيير. أي الضغط الخارجي. هل في هذا الوقت بالضبط ستصبح المقاطعة الثقافية غير مجدية؟ إن الأسبوع الماضي حمل إلينا أمرا مهما، وهو انتصار المقاطعة الثقافية في مواجهة محاولة للتطبيع عبر السينما. والأسبوع الحالي لا يقل أهمية، ذلك أن اليوم الثلاثاء 18 شتنبر سيشهد تنظيم ندوة صحافية للإعلان عن نداء نحو مائة من الفنانين والجامعيين والصحافيين والمثقفين، من أجل الالتحاق بحملة MACBI، الخاصة بالمقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل في المغرب.