في عز أزمة الهجرة غير المسبوقة في العقدين الأخيرين بين المغرب وإسبانيا، طفا على سطح العلاقات الثنائية بين البلدين توتر جديد، هذه المرة اتخذ بعدا تجاريا، الشيء الذي يُظْهِرُ بشكل جلي "الأزمة الصامتة" بين البلدين منذ وصول الحكومة الاشتراكية الجديدة بقيادة بيدرو سانتشيز قبل شهرين إلى الحكم في الجارة الشمالية. بوادر الأزمة الجديدة تتمثل في القرار الرسمي الأخير الذي اتخذته السلطات المغربية منذ منتصف الشهر المنصرم، والذي دخل حيز التنفيذ بداية هذا الشهر، والقاضي بإغلاق الجمارك الحدودية بين مليلية وداخل المملكة، والتأكيد على أن البوابة الجمركية الوحيدة لاستيراد وتصدير السلع إلى المدينةالمحتلة هي ميناء بني أنصار بالناظور. القرار المغربي والذي تتوفر جريدة "أخبار اليوم" على نسخة منه، استنفر السلطات المحلية الإسبانية بمليلية والمركزية بمدريد. لهذا طلب المسؤولون والمقاولون بمليلية من حكومة سانتشيز الدخول في مفاوضات مع الرباط من أجل إنقاذ مليلية من كارثة مالية، إذ إن جزءا من مواردها مصدرها عملية التصدير للسلع عبر معبر بني أنصار البري الحدودي. حاكم مليلية، خوان خوسي إمبرودا، كشف أن المدينة، في حالة استمرار قرار إغلاق الجمارك البرية، المفتوحة منذ 50 سنة بطلب مغربي، ستتكبد خسائر بالملايير، مرجحا أن تتجاوز 100 مليار سنتيم. وعلق على القرار المغربي قائلا: "هو ضربة موجعة للاقتصاد المحلي"، مبرزا "أنظر إليه كإجراء ضار". في المقابل، توضح الوثيقة الصادرة عن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أنه في إطار الأنشطة التجارية في ميناء بني أنصار في الناظور، ومن أجل تشجيع الاستثمار في المنطقة، يسمح فقط بالتخليص الجمركي عبر ميناء بني أنصار، داعية كل الإدارات والمسؤولين إلى تفعيل هذا القرار. بدوره، أكد عبد اللطيف الجرودي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالجهة الشرقية، أن الأمر يتعلق ب"قرار مستقل وسيادي". وأضاف أن المقاولين المغاربة هم الذين طلبوا بإغلاق الجمارك البرية منذ بداية هذا الشهر، وشرح قائلا: "نحتاج إلى خط بحري في ميناء الناضور، لأنه في السابق كانت الحاويات تمر عبر ميناء مليلية، وما يواكب ذلك من تأخر"، في إشارة إلى الوقت الذي يستغرقه نقل البضائع في الشاحنات إلى الداخل المغربي عبر المعبر الحدودي بني أنصار. وفي الوقت الذي ذهبت فيه صحيفة "الكوفيدينثيال" إلى أن القرار المغربي وراءه حسابات سياسية وتجارية، كشف عبد اللطيف الجرودي أن القرار يدخل في إطار استراتيجية كانت تحضرها العديد من الإدارات والوزارات المغربية منذ ستة أشهر، بهدف محاربة الاقتصاد غير المهيكل والتهريب الضريبي وتشجيع الاقتصاد في المنطقة وخلق فرص شغل. إلى جانب أهداف أخرى تتمثل في إطلاق النشاط التجاري في ميناء بني أنصار الذي استقبل قبل أسبوع أول حاوية تجارية، حسب وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي". ورد على انتقادات المقاولين الإسبان والحكومة المحلية قائلا: "الوضع أكثر راحة الآن، إذ إن ميناء بني أنصار لديه محطة وآليات لتحميل وتفريغ الحاويات". ويبدو أن حاكم مليلية يهدد بطرد القاصرين المغاربة غير المصحوبين من المدينة، في حال استمرت السلطات المغربية في إغلاق الجمارك البرية، بالتأكيد على أن "الحكومة الإسبانية يجب أن تكون جادة مع المغرب، لأن مشاكل مليلية لا تتوقف على الجمارك، بل تتعداها إلى القاصرين غير المصحوبين. إذا كانت منطقة الأندلس تأوي 3000 طفل غير مصحوب، فمدينة التي بالكاد مساحتها 13 كيلومترا مربعا تحتضن 1000 قاصر"، في إشارة إلى أن مليلية لا يمكن أن تتحمل وحدها تكاليف استقبال القصر المغاربة في الوقت الذي تغلق فيه الرباط الجمارك البرية المفتوحة منذ 60 عاما، على الرغم من أن العمل بتلك الجمارك عرفي فقط، لأنه لا وجود لمرجع قانوني يؤكدها، لذلك فالسلطات المغربية من حقها إغلاقها من أجل حماية الاقتصاد المهيكل الذي يتضرر بشكل كبير من غير المهيكل بسبب السلع المهربة من المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية. ويتضح أن القرار المغربي جعل اقتصاد مليلية يتضرر بشكل كبير، إذ أوضح إنريكي آلكوبا، رئيس هيئة مقاولي مليلية، أن حركية البضائع تقلصت ب50 في المائة مقارنة مع السنة الماضية. وأضاف قائلا: "نتفهم أن السلطات الإسبانية تدافع عن مصالحنا، لأنه محكوم علينا بالتفاهم مع جيراننا (المغاربة) ليس فقط في القضايا التجارية، بل حتى في الفلاحة والإرهاب والهجرة، وقضايا أخرى صغيرة". مقاول بمدينة مليلية علق على إغلاق الجمارك البرية قائلا: "ما يحدث غير منطقي. مليلية تقتات منذ سنوات من المغربي الذي يأتي إليها لشراء البضائع".