كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية النقاب، عن مخاوف أثارتها حملةالحكومة الصينية الواضحة على منطقة ذات أغلبية مسلمة بمقاطعة "قانسو"، شمال غرب البلاد في محاولة منها لقمع أي تحركات انفصالية محتملة. وقالت الصحيفة في تقريرها، إنه منذ مئات السنين يتمتع مسلمو قومية "هوى" في مدينة لينشيا، والتي يُطلق عليها اسم "مكة الصغيرة" باللغة الصينية، بالحرية الدينية. ويخشى السكان المحليون أن تكون هناك تحركات متعمدة من قبل الحزب الشيوعي الحاكم، بهدف القضاء على الإسلام في المنطقة، حيث تم تطبيق إجراءات صارمة على ممارسة الشعائر الدينية خلال السنوات الأخيرة. نموذج "شينغيانغ" كما يخشى الكثير من مسلمي قومية ال"هوى" في لينشيا من الرقابة والقمع، الذي تعرضت له قومية "الإيغور" في أعقاب الاضطرابات الدموية، التي وقعت في إقليم شينغيانغ، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة في أقصى غرب البلاد. وعلى الرغم من اعتناق هاتين الطائفتين العرقيتين الدين نفسه، إلا أن مواقف "الإيغور" و"الهوى" تجاه الحكومة الصينية والمجتمع مختلفة بشكل جذري، وفقًا للخبراء. ولا تزال المساجد ذات القباب الخضراء تهيمن على سماء مدينة لينشيا، ولكنها خضعت لتغيير كبير، حيثُ لم يعد بإمكان الشبان الذهاب إلى الفصول الدراسية والصلاة. وقال أحد السكان المحليين إنهم يخافون من التحرك المتعمد لقمع الإسلام، فقد حظر الحزب الشيوعي الأولاد الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا في لينشيا من ممارسة الشعائر الدينية أو الدراسة. ومن بين سكان لينشيا البالغ عددهم 2.18 مليون نسمة، فإن 1.3 مليون شخص، ما يشكل نسبة 59% من السكان هم من المسلمين، معظمهم من أقلية "هوى" العرقية، وفقًا لما أوردته صحيفة "جلوبال تايمز" نقلًا عن بيانات رسمية. وتحكم الصين منطقة شينغيانغ، وهي منطقة أخرى ذات أغلبية مسلمة في أقصى غرب البلاد، بقبضة حديدية للقضاء على ما تسميه "التطرف الديني" والتحركات "الانفصالية" في أعقاب اضطرابات دموية، جعلتها تلقي السكان الإيغور في معسكرات منعزلة لإعادة التعليم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، بسبب مخالفات بسيطة مثل حيازة القرآن أو حتى ترك اللحية، وهو الأمر الذي يخشى منه مسلمو هوى حاليًا. "علمنة" المسلمين وقال إمام بارز طلب عدم ذكر اسمه: "لقد تغير الوضع" خلال العام الماضي، مضيفًا: "بصراحة، أنا خائف جدًا من أن يطبقوا نموذج شينغيانغ هنا". وقامت السلطات المحلية بتقليص عدد الطلاب الذين تزيد أعمارهم عن 16 عامًا، والمسموح لهم رسميًا بالدراسة في كل مسجد، كما قلصت الشهادات الممنوحة للأئمة الجدد. وأصدرت السلطات تعليمات للمساجد برفع الأعلام الوطنية والتوقف عن رفع الأذان، حيثُ تمت إزالة مكبرات الصوت بالكامل من جميع مساجد إحدى المناطق المجاورة والبالغ عددها 355 مسجدًا. وقال ذات الإمام: "إنهم يريدون (علمنة) المسلمين وقطع الإسلام من جذوره"، مؤكدًا أنه "في هذه الأيام لا يُسمح للأطفال باعتقاد الدين وإنما للشيوعية والحزب فقط". هاجس الخوف اعتاد أكثر من 1000 شاب الحضور إلى مسجدهم متوسط الحجم، لدراسة القرآن خلال العطلة المدرسية الصيفية والشتوية، ولكنهم الآن محرومون حتى من دخول المسجد. ولا تزال المساجد مليئة بالكتب العربية الضخمة ذات اللون البني والغلاف السميك، الممنوحة من المملكة العربية السعودية، ولكن لا يُسمح الآن إلا لعدد 20 تلميذًا مسجلًا رسميًا فوق سن 16 عامًا باستخدام هذه الكتب. وتم إخبار أولياء الأمور بأن الحظر المفروض على الدراسات القرآنية هو من أجل صالح أطفالهم، حتى يتمكنوا من الراحة والتركيز على المناهج الدراسية العلمانية، ولكن معظم أولياء الأمور يشعرون بالذعر الشديد. وقالت أم شاب تُدعى مالان وتبلغ من العمر 45 عامًا، "نحن خائفون، خائفون جدًا، إذا استمرت الأمور على هذا النحو فإن تقاليدنا ستختفي بعد جيل أو اثنين". وأشارت إلى أن هناك حملات تفقدية من قبل مفتشين، لفحص المسجد المحلي كل بضعة أيام خلال العطلة المدرسية الأخيرة، لضمان عدم وجود أي من أولاد القرية فيه، والبالغ عددهم حوالي 70 شابًا. وحاول إمام المسجد في البداية إلقاء الدروس سرًا قبل شروق الشمس، لكنه سرعان ما توقف خوفًا من التداعيات، بحسب مالان. وبدلاً من دراسته لمدة 5 ساعات يوميًا في المسجد ظل ابنها البالغ من العمر 10 سنوات في المنزل يشاهد التلفاز، ويحلم الولد بأن يكون إمامًا ولكن مدرسيه شجعوه على كسب المال وأن يصبح عضوًا بالحزب الشيوعي، على حد قولها. الخوف من المستقبل يبلغ عدد أفراد قومية "هوى" حوالى 10 ملايين نسمة، ويمثلون نصف عدد المسلمين في الصين، وفقًا للإحصاءات الحكومية للعام 2012. في لينشيا اندمج الهوى تاريخيًا بشكل جيد مع قومية ال"هان" ذات الأغلبية العرقية، وكانوا قادرين على التعبير صراحة عن إخلاصهم وإيمانهم بعقيدتهم. وتضع النساء اللواتي يرتدين الحجاب لحم الغنم المطبوخ في المطاعم الحلال، بينما يتدفق العديد من الرجال ذوي البشرة البيضاء إلى المساجد لأداء الصلاة. وفي شهر يناير الماضي أصدر المسؤولون المحليون قرارًا يتضمن التأكد من عدم قيام أي فرد أو منظمة "بدعم أو السماح أو تنظيم أو توجيه الأولاد الصغار، لدخول المساجد لدراسة القرآن أو ممارسة الأنشطة الدينية"، أو حثهم على المعتقدات الدينية. وطُلب من جميع الأئمة أن يوقعوا على القرار كتابة، ولكن أحدهم رفض التوقيع ما أثار غضب المسؤولين وإحراج زملائه الذين تجنبوه منذ ذلك الحين. وقد اشتكى بعض الأئمة من إصدار السلطات عددًا أقل من الشهادات اللازمة لممارسة الإمامة أو التدريس، والآن تمنح الشهادات لخريجي المؤسسات التي تقرها الدولة فقط. وقال أحد الأئمة، "في الوقت الحالي هناك ما يكفي منا، لكنني أخشى على المستقبل، فحتى لو كان هناك طلاب، فلن يكون هناك أشخاص مدربون جيدًا لتعليمهم". ولم ترد السلطات المحلية على الأسئلة المتكررة للتعليق على الأمر، ولكن قرار منع الأولاد في لينشيا يأتي في الوقت الذي تطرح فيه الصين لوائحها الخاصة بالشؤون الدينية المعدلة حديثًا. وقد غلظت اللوائح العقوبات المفروضة على الأنشطة الدينية غير المصرح بها في جميع الأديان والمناطق. وقال "وليام ني" الباحث الصيني في منظمة العفو الدولية، إن بكين تستهدف الأولاد الصغار، كطريقة لضمان القضاء على التقاليد الدينية مع الحفاظ على سيطرة الحكومة على الشؤون الأيديولوجية. عنيفون ومتعطشون للدماء وقال إمام آخر، إن الوضع المتوتر في إقليم شينغيانغ هو أصل التغييرات التي طرأت في لينشيا. وأضاف، "تعتقد الحكومة أن التقوى الدينية تعزز التعصب الذي يفرز التطرف والذي يؤدي بدوره إلى أعمال إرهابية". ولكن العديد من قومية ال"هوى" يسارعون إلى تمييز أنفسهم عن الإيغور، إذ قال ما جيان تساي (40 عامًا)، ويعمل مصففًا للشعر، "إنهم يؤمنون بالإسلام أيضًا لكنهم عنيفون ومتعطشون للدماء، أما نحن فلسنا كذلك". وقال أحد الباحثين الشباب من شينغيانغ، الذي أرسلته أسرته بمفرده وهو في الخامسة من عمره إلى لينكشيا لدراسة القرآن الكريم بحرية، وهو أمر غير ممكن في مسقط رأسه، "ثمة أشياء مختلفة جدًا هنا، وآمل أن أبقى في هذا المكان".