كشف تحقيق مثير لصحيفة «إلباييس» الإسبانية معطيات صادمة حول التهريب المعكوس للمواد المخدرة من إسبانيا إلى المغرب في السنتين الأخيرتين، والذي يدر على شبكات إجرامية متخصصة أخطبوطية أرباحا ضخمة تقدر بمئات الملايير، لكن خطورة تلك المواد تكمن في تخريب عقول الشباب المغاربة، نظرا إلى قوتها، وتأثير ذلك على الأسرة والمجتمع. لذلك، تعتقد مصادر إسبانية أن لجوء الشبكات الإجرامية إلى التهريب المعكوس يرجع بالأساس إلى أنه أقل مغامرة وخطورة من تهريب الحشيش، مثلا، من سواحل الشمال المغربي إلى أوروبا. التحقيق كشف أن التهريب غير المشروع لدواء يباع في الصيدليات الإسبانية يسمى «ريبوتريل»، يستعمل لعلاج بعض الاضطرابات النفسية والعصبية، يقتنى عبر وصفات طبية مزيفة قبل نقله إلى المغرب لصنع «القرقوبي الإسباني»؛ تَحول إلى تجارة مربحة تُدِرُ، على الأقل، أكثر من 100 مليار سنتيم سنويا على شبكات إجرامية متخصصة، حسب تقارير أمنية، وأن هذه الأرباح مُدعمَة من قبل النظام الصحي الإسباني، أي من قبل الجهات الرسمية. كيف ذلك؟ بكل بساطة من أجل التحايل على القانون، تلجأ المافيا إلى استعمال عشرات الآلاف من الوصفات الطبية المسروقة من المراكز الطبية العمومية. وقدم التقرير معطى مثيرا يفيد بأن إقبال الشباب المغربي على القرقوبي المصنوع من الأدوية الإسبانية جعل استهلاك دواء «ريبوتريل» من حجم 2 ميليغرام، المدعم من قبل الدولة، يرتفع بنسبة 113 في المائة. ويوضح التقرير أن علبة واحدة مكونة من 60 قرصا يزن 2 ميليغرام تباع في الصيدليات الإسبانية ب1.08 أورو باستعمال الوصفة العمومية، وب2.7 أورو باستعمال وصفة المصحات الخاصة، لكن سعره يتضاعف مئات المرات عندما يهرب إلى المغرب. «في المغرب يباع ب200 إلى 300 درهم للعلبة الواحدة»، وفق مصادر من الوحدة التقنية للشرطة القضائية التابعة للحرس المدني الإسباني، مبرزة أن القرص الواحد يوزع في شوارع المدن المغربية ب50 إلى أكثر من 80 درهما، لذلك، «تدر هذه التجارة الضخمة 100 مليار سنتيم سنويا»، حسب تقديرات خافيير مولينيرا، كبير مفتشي قسم الاستهلاك والبيئة والمنشطات في الشرطة الوطنية. ورغم ذلك، فالتحقيق يؤكد أنه من المستحيل تقديم تقديرات محددة بخصوص كميات «ريبوتريل» التي وصلت إلى أيدي المافيا في السنوات الأخيرة، وعدد تلك التي جرى الحصول عليها باستعمال الوصفات الطبية العمومية. وتكمن خطورة دواء «ريبوتريل» في أعراضه الجانبية، ما يهدد عقول الشباب المغاربة، إذ من أعراضه القوية: النعاس، وحدة الطبع، ونقص الدوافع، وفقدان الرغبة الجنسية، والدوخة، وفقدان الذاكرة القصيرة، والزيادة في أعراض الاكتئاب، وآثار نفسية حادة، وتغيرات في الشخصية. شركة «روتشي»، المنتجة لدواء «ريبوتريل»، لا تقدم أي معطيات بخصوص كميات مبيعاتها عبر الوصفة العمومية، على غرار وزارة الصحة، غير أن التحقيق وصل إلى معطيات تفيد بأنه في العاصمة مدريد انتقلت مبيعات هذا الدواء المخدر من 75 ألف علبة بيعت بعد الإدلاء بوصفة عمومية سنة 2014 إلى 160 ألف علبة سنة 2015. ويرجع هذا الارتفاع إلى نشاطات الشبكات التي تهرب الدواء إلى المغرب. ويؤكد المفتش خافيير مولينيرا هذا الارتفاع الملحوظ قائلا: «مجموعة واحدة فككناها استعملت 50 ألف وصفة مزيفة»، مبرزا أنه في «كل سنة تسرق 25 ألف وصفة عمومية أغلبها ينتهي في يد المافيا». ويشير التحقيق إلى أن عناصر الحرس المدني حجز، في 7 يناير 2016، حوالي 26 علبة من ريبوتريل في سيارة بمدينة سبتة في طريقها إلى الداخل المغربي.