من المفروض أن تشجع التظاهرات الرياضية العالمية، وكرة القدم بشكل خاص، قيم التسامح والتقارب بين الثقافات والشعوب. فالرياضة في الأصل هي أداة لتهذيب النفس، وتصريف "حضاري" للعنف المتأصل في الإنسان. فالتنافس الرياضي، يشجع على التعاون والتكامل، وأيضا على تكريس "اللعب العادل" الذي يساعد على تطور المجتمعات. ولكن ماكينة الرأسمالية المتوحشة حولت كرة القدم من "التنافس الإيجابي"، إلى سوق يتنافس رأس المال من أجله، ومن هنا تحولت كرة القدم وتنظيم المونديال إلى حلبة للصراع بين الشركات الكبرى. أما في العالم العربي، فتكتسي كرة القدم اهتماما خاصا من طرف الحكومات والشعوب على حد سواء. فقد تحولت كرة القدم إلى قناة لتشجيع "القومية الوطنية" التي قد تصل أحيانا إلى حدود متطرفة. فمع وفاة حركات التحرر الوطني وتراجع القضايا التي تقوي اللحمة الداخلية، أضحت كرة القدم غِرَاءً يُمَتن الانتماء الوطني. وعندما تعجز الأندية الوطنية عن تحقيق الإنجازات يتم اللجوء إلى الإدمان على تشجيع "البارصا" و"الريال" كتعويض عن حالة الإحباط المستمرة والرداءة على جميع المستويات. فعلى الأقل تمكن مشاهدة مباريات دوري أبطال أوروبا من الحصول على متعة كروية تفتقدها الأندية المحلية أو الفريق الوطني. وبفضل الانكسارات العربية خلال العقدين الماضيين أصبحت الحكومات ترحب بأي انتصار يمكن أن يمنح سعادة مؤقتة تخفف من التوتر داخل المجتمع بسبب فشل الحكومات المستمر في تحقيق الرخاء الاقتصادي. وقد عرت كواليس التنافس على تنظيم مونديال 2026 عن تناقض في المواقف العربية. فقد أثار تصويت سبع دول عربية ضد المغرب الكثير من الجدل. فرغم أن الأصوات العربية السبعة لم تكن لتُميل كفة المغرب إلا أنها تكشف عن أن قرارات تنظيم المونديال هي قرارات سياسية بالأساس. فمن جهة، بتصويتها على الملف المغربي وضعت الجارة الجزائرية جنبا خلافاتها مع الرباط، وهي إشارة مهمة على الدولة التقاطها ورد التحية بتحية مثلها أو أحسن منها. ولكن بالمقابل أثار تصويت السعودية ضد المغرب علامات استفهام. فالمملكة المغربية حليف استراتيجي للسعودية، كما أن قواته تشارك جنبا إلى جنب مع قوات التحالف في عملية عاصفة الحزم في اليمن، وقد قتل طيار مغربي نتيجة لذلك. لم تكتف السعودية بالتصويت على الملف الثلاثي (أمريكا وكندا والمكسيك)، ولكن هناك مزاعم بتورطها في تحريض دول أخرى ضد المغرب. في الحقيقة، لا يمكن نفي أن التصويت أحيانا لا تحكمه الاعتبارات الدينية والثقافية أساسا، وإنما تلعب السياسة دورا أهم. فمثلا سبق للمغرب أن صوت ضد مرشح قطر في رئاسة الفيفا، ولكنه لم يتورط في التحريض ضده. هذا بالضبط ما أثار غضب المغاربة ودعا عددا منهم إلى تمني فشل المنتخب السعودي وفرحهم بعد خسارته المدوية أمام الفريق الروسي، بل وصل الأمر إلى دعوة بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة الحج والعمرة. هذه الدعوات تقيم خلطا بين الحكومات والشعوب. فمواقف آل الشيخ لا تعكس بالضرورة موقف الشعب السعودي. كما أن البرلمان الكويتي – وهو بالمناسبة من البرلمانات العربية القليلة الذي يمتلك حرية في مساءلة الحكومة – أحرج الحكومة الكويتية بسبب موقفها ضد المغرب. في الحقيقة، تعكس هذه المواقف كيف يمكن لكرة القدم أن تنحرف عن مقصدها الأساسي وتتحول إلى أداة للتفرقة والكراهية بين الشعوب بدل أن تشجع ليس فقط على التسامح، ولكن أيضا على "اللعب العادل"، أي القبول بالخسارة عندما يحس الفريق بأنه خسر وفق قواعد عادلة. بكلمة، لا يحتمل العالم العربي المزيد من الانقسام، على الأقل ليس بسبب كرة القدم.