إن الحديث عن المواكبة الإعلامية المجحفة لقضية بوعشرين والمنتهكة لأخلاقيات ومبادئ مهنة الصحافة، هو أحد الأساليب المستعملة في انتهاك أسس ومعايير المحاكمة العادلة، ويجب استحضارها بنفس القدر الذي نستحضر به الانتهاكات التي ارتكبت أثناء الاعتقال والخروقات التي مست مسطرة الإحالة، والعنف الممارس على مختلف أطراف القضية، ومنع الملاحظين الدوليين من متابعة أطوار المحاكمة، وغيرها كثير من الانتهاكات التي عرفتها القضية. ومجددا، أختم بما انطلقت منه، وهو أن وحده مبدأ أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تستوفي كل مستويات التقاضي، هو ما يجعل هذا النقاش مشروعا، وأن المطالبة بالمحاكمة العادلة للصحافي توفيق بوعشرين، هي مطلب يهم الجميع، ولا يقبل من أي شخص يتبنى مبادئ حقوق الإنسان أن يسكت عن انتهاكات حقوق، هي أساسية في أي مجتمع ديمقراطي، كالحق في احترام قرينة البراءة والحق في كل ضمانات المحاكمة العادلة، كيفما كانت التهم الموجهة إلى المتهم، وكيفما كان موقفنا من الشخص ومن معتقداته وسلوكه وانتمائه وغيرها… وأن المطالبة باحترام هذه المبادئ هي دفاع عن الحق، ودفاع عن المجتمع، لأنها مطالب تصبو لحماية الجميع من التعسف ومن الظلم، وهي أيضا وسيلة لحماية حقوق جميع أطراف القضية وليست انتصارا لطرف ضد آخر. كما أنها وهذا هو الأساس، محطة من محطات النضال ضد التردي العميق الذي تعرفه الحقوق والحريات ببلادنا خاصة منذ 2014، حين انقلبت السلطة ضد مكاسب أساسية انتزعتها الحركة الحقوقية والديمقراطية ببلادنا. وهي الردة التي تتجلى في مختلف المؤشرات الحقوقية المتدنية للمغرب التي تنشرها العديد من الهيئات الدولية، من وكالات الأممالمتحدة، والمنظمات المهنية للصحافيين، وهيئات تهتم بواقع العدالة والقضاء، وأخرى بالمساواة بين الجنسين، وغيرها من المجالات، كما ترصدها تقارير أغلب الشبكات والهيئات الحقوقية الدولية وكلها تبرز مدى التدهور العميق لواقع حقوق الإنسان، وهي الحقائق التي تكتفي الحكومة بتكذيبها كلما صدرت عوض الانكباب على معالجة ما تعكسه من تدني واقع الحريات ببلادنا واختلالات عميقة في السياسات المتبعة. 6