تواصل الحملة الشعبية لمقاطعة منتجات استهلاكية (أفريقيا غاز وسنطرال للحليب وسيدي علي) لثلاث شركات، تحقيق نتائج لم تكن منتظرة حتى الآن، أولاها إسقاط أحلام عزيز أخنوش بخصوص انتخابات 2021. ثانيا، إجبار الوزير لحسن الداودي على الاستقالة. فلماذا يقاطع المغاربة؟ ومن وراء ذلك؟ وماذا يريدون بالضبط؟ أسئلة تشغل الكثير من الفاعلين. فؤاد عبد المومني، الحقوقي والاقتصادي، يرى أن القاسم المشترك بين المنخرطين في حملة المقاطعة هو الإحساس بالغبن والحكرة. وهؤلاء ثلاثة أطراف: طرف يرى أن الغبن سببه تدهور القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار، وطرف ثان يرى أن الغبن والحكرة هما نتيجة لتجبر وتكبر مركب المال والسلطة بكل رموزه، وضمنه عزيز أخنوش ومريم بنصالح، ثم إن هناك طرفا ثالثا مقتنعا بأن السبب هو سوء التنمية الذي لا يخلق الثروة ولا يوزعها بشكل عادل. كريم التازي، رجل الأعمال، حدد أطراف المقاطعة في فئتين؛ الفئة الأولى تمثل الطبقة الوسطى الهشة التي تضررت قدرتها الشرائية، وهي غاضبة على أصحاب القرار، وترى أنهم مستغلون وجب الوقوف في وجوههم، أما الفئة الثانية فتتشكل من مناضلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني الغاضبين سياسيا بسبب ما وقع بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016. وضرب التازي مثلا بشأن هذا الوضع، «فالطبقة الوسطى الهشة أشبه ما تكون بحقل جاف في جو حار بعد موسم الحصاد، حيث يكون العشب جافا وقابلا للاشتعال بسرعة، فالطبقة الوسطى تعاني ارتفاع كلفة المعيشة، وتؤدي تكاليف تمدرس الأبناء في المدارس الخاصة، وثمن العلاج في المصحات الخاصة، أما الفئة الثانية فقد تشكلت من مكونات مختلفة (تيار بنكيران، شباب حركة 20 فبراير، جماعة العدل والإحسان، الجمعيات الحقوقية المستهدفة، وصحافيون غاضبون من ضغط السلطة)، وهي أشبه بمن في يده أعواد ثقاب مشتعلة يرميها باستمرار على العشب القابل للاشتعال». التازي يرى أن هذا الوضع «خطير جدا»، لأن استمراره يعني وقوع «نتائج كارثية لن تكون في صالح أحد». وإذا كان اعتماد المقاطعة سلاحا في مواجهة المتغلب أسلوبا قديما استعملته شعوب مختلفة، «فإنه نادرا ما ينجح، وإذا نجح تكون نتائجه خطيرة»، يقول محمد مصباح، الباحث في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني. وفي الحالة المغربية، يبدو أن المقاطعين نجحوا بالفعل في إلحاق الضرر بخصومهم، كما أعلنت ذلك شركة «سنطرال الحليب» التي تكبدت خسائر بقيمة 15 مليارا. خسائر لا شك أنها أقنعت المقاطعين بجدوى المقاطعة. وحسب عمر أحرشان، أستاذ العلوم السياسية، فإن المغاربة يقاطعون لأنهم اكتشفوا أن المقاطعة سلاحهم الأخير لإيصال صوتهم إلى من يهمهم الأمر. المقاطعة سلاح أخير يلجأ إليه المتضرر بعد استنفاد الطرق الأخرى التي جربها المغاربة، وكانت كلفتها عالية ومردوديتها غير متناسبة مع هذه الكلفة، وهم لم يختاروا هذا الأسلوب إلا بعدما «عجزت المؤسسات التمثيلية عن القيام بدورها في تمثيل الشعب والتعبير عن معاناته، كما هو مفترض فيها، وأقصد هنا طبعا الحكومة والبرلمان اللذين يسيران في اتجاه مناقض لمسار الشعب بدفاعهما عن مصالح الشركات الكبرى على حساب مصالحه، وانتصارهما لفئة منتفعة من الريع، على حساب شرائح شعبية واسعة متضررة من السياسات العمومية». وتكشف هذه الوضعية أن «المقاطعة مجرد عرَض ظاهري لما هو جوهري»، يقول مصباح، الذي حدد الجوهر في «حالة الإحباط في المجتمع، سواء تجاه الحكومة أو تجاه تدبير الشأن العام»، وهو وضع ناتج بدوره عن «المشكل السياسي في المغرب، والمتمثل في فقدان الثقة في العملية السياسية. فالمقاطعة تعد أحد مظاهر أزمة سياسية كامنة، تتجلى في تراجع منسوب الثقة في المؤسسات القائمة»، والأخطر أن تستمر وتطال مستقبلا العملية الانتخابية.