قال نجيب أقصبي، المحلل الاقتصادي، إن المقاطعة الشعبية لمنتوجات 3 شركات، صرخة وانتفاضة سلمية حضارية تتماشى مع العصر، قامت بها فئات واسعة من المجتمع المغربي التي تعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، ومن الحكرة، مشيرا في حوار مع "اليوم24″، إلى أن ما وراء هذه المقاطعة يعكس خللا بنيويا وشعورا بأن اللعبة في الاقتصاد المغربي مغشوشة. وأوضح أقصبي أن عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصبد البحري، له الحرية التامة في أن يكون رجل أعمال ومسؤولا حكوميا، لكن ليس له الحق أن يستمر في استثماراته وهو في الحكومة، مشيرا إلى أنه في الديمقراطيات العريقة، عندما يكون الشخص رجل أعمال ويصبح رئيسا لحزب سياسي أو مسؤولا حكوميا، فإنه يقدم استقالته ويتخلى عن رئاسة شركاته ومصالحه المالية.
ما هو تعليقك على حملة المقاطعة الشعبية التي استهدفت بعض المنتجات؟ حسب ما هو آني، فإن المقاطعة الشعبية صرخة وانتفاضة سلمية حضارية تتماشى مع العصر، قامت بها فئات واسعة من المجتمع المغربي التي تعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، ومن الحكرة. إلا أن ما وراء هذه المقاطعة يعكس خللا بنيويا وشعورا بأن اللعبة في الاقتصاد المغربي مغشوشة، كانت هناك إجراءات لتحرير الأسعار في سوق ليست حرة، لم تؤد إلى تطبيق المزايا المزعومة لهذا التحرير، بسبب التداخل بين السلطة والمال، واستمرار استغلال السلطة من أجل الاحتكار والربح غير المعقول والمنطقي، وهو الأمر الذي يجعل الاقتصاد المغربي بعيد عن اقتصاد ليبرالي حقيقي، يستفيد من مزايا اقتصاد السوق التي تحث على المنافسة الحرة التي تؤدي بدورها إلى انخفاض الأسعار، إلا ما نعيشه هو العكس بعد تحرير السوق، بفعل استمرار احتكار الاقتصاد من طرف أطراف بعينها متعلقة بمصالح سياسية سلطوية. المواطن المغربي هو من يحمل همّ التنديد باقتصاد الريع، وبهذه الحملة نؤكد على أن وعي المواطن بحقوقه تقدم بشكل كبير. لماذا استهدفت حملة المقاطعة عزيز أخنوش ومريم بنصالح؟ بداية دعني أقول لك إن مقاطعة ثلاث شركات هو اختيار موضوعي، أخذا بعين الاعتبار أهداف الحملة الشعبية. منطقيا، لا يمكنك أن تطلب من المواطنين أن يقاطعوا جميع المنتجات الأساسية، ولا يمكنك أن تطالبهم أيضا بعدم استهلاك جميع أنواع المحروقات أو الماء. ليس الهدف من المقاطعة هو أن نعاقب المستهلك أو أن يتوقف الاقتصاد، لكن الهدف هو ممارسة ضغط معين على شركات معينة لأنها هي المحتكرة والرائدة، وهو الأمر الذي يجعل المواطنين غير منقطعين عن الاستهلاك لأنهم يقتنون منتجات أخرى، ولكن تقاطعها من أجل الضغط عليها لينخفض رقم معاملاتها وهو ما نلاحظه، وعندما تنخفض أرباحها وتقديرا لمصالحها وليس سواد أعين المواطنين تضطر إلى تخفيض الأثمنة، كما تضطر الشركات الأخرى إلى تخفيض الأسعار هي أيضا. بالنسبة إلى مقاطعة المحروقات، فرغم أن البلاد تشهد حوالي 15 مقاولة لتوزيع المحروقات، إلا أن "ثلاث أو أربع شركات هي من تتحكم في 80 في المائة من السوق. شركة المحروقات التي تمت مقاطعتها ليست مجهولة الاسم، مالكها هو رئيس حزب سياسي ووزير في الحكومة مسؤول عن السياسيات العمومية، عندما نتحدث عن تداخل بين المال والسلطة هل هناك مثال أكبر من هذا؟ أما بالنسبة إلى السيدة مريم بنصالح، فإلى يومنا هذا هي ربة أرباب العمل، فهي رئيسة اتحاد مقاولات المغرب، وفي الوقت نفسه هي مالكة لإحدى شركات الماء المعدني. أما بالنسبة إلى شركة الحليب، فهي من الشركات المتعددة الجنسيات، فهي تمثل احتكار هذه الشركات الأجنبية وتستعمل القواعد الوطنية الاقتصادية لتراكم المزيد من الأرباح، وهي تبرز احتكارها بكل المآسي المعروفة عنها في البلدان النامية. لهذا، فإن اختيار هذه المنتجات الثلاثة هو اختيار موضوعي يستجيب لأهداف المقاطعة الشعبية، الذي أصبح واضحا لمن أراد أن يفهمه ويستوعبه.
من يمنع أخنوش أن يكون رجل أعمال، وفي الوقت نفسه مسؤولا حكوميا؟ في الديمقراطيات العريقة، عندما يكون الشخص رجل أعمال ويصبح رئيسا لحزب سياسي أو مسؤولا حكوميا، فإنه يقدم استقالته ويتخلى عن رئاسة شركاته ومصالحه المالية. أخنوش له الحرية التامة في أن يكون رجل أعمال ومسؤولا حكوميا، لكن ليس له الحق أن يستمر في استثماراته وهو في الحكومة. لن أكشف لك جديدا ولن أبالغ إذا قلت لك إن جميع المغاربة يلاحظون بأن السيد عزيز أخنوش يوميا له رِجل في الأعمال ورِجل أخرى في السلطة، وفي كل يوم يمارس السياسة وإدارة الأعمال، والجميع يقر بهذا. الحديث عن أهداف المقاطعة الشعبية يحيلنا بالضرورة إلى الاستفسار عن دور المؤسسات الرسمية للحد من الاحتكار ومراقبة ارتفاع الأسعار، لماذا يتم تعطيل مجلس المنافسة لحد الآن، ولم يتم تعيين رئيس جديد له؟ ليس لدينا مميزات اقتصاد السوق، مازال لدينا اقتصاد مبني على الريع ومنطق السلطة هو من يتحكم في هذا السوق، أبرز دليل هو ما يقع لمجلس المنافسة. من بين الآليات الضرورية لتحرير اقتصاد السوق في أمريكا وآسيا، هي إحداث مؤسسات لضبط ومراقبة السوق، ومهمتها الأساسية هي المحافظة على احترام قواعد اللعبة، والمراقبة والحرص كل الحرص على أن كل الفاعلين الاقتصاديين كما كانوا سواء كبارا أو صغارا أو موالين للسلطة أو ليسوا كذلك، أو أجانب، كلهم ملزمون باحترام ضوابط المنافسة الشريفة. مشكلتنا في المغرب هي أننا قمنا بإجراءات لتحرير السوق، وعطلنا مجلس المنافسة. الحديث عن مجلس المنافسة ممتد إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي، تم إحداثه وفق قانون لم يُمنح ساعتها أي سلطة، وتم تعيين رئيس له ثم اختفى، إلى أن تم إنشاؤه من جديد سنة 2008 للعب دور استشاري، وفي سنة 2009 تم تعيين رئيس ومكتب جديد، هؤلاء لا حظوا بأن القانون لا يمنحه أية صلاحيات، وهو غير مجد وغير كاف، فكانت مهمتهم الأساسية هي وضع قانون جديد، تطلب منهم ست سنوات، واستطاعوا كيفما كان الحال أن يتوصلوا إلى قانون مرض، صدر في الجريدة الرسمية سنة 2015، إلا أن المجلس الذي تم تعيينه في سنة 2009 انتهت مهمته سنة 2014، ومن المفروض أنه بعد صدور قانون يوضح الأحكام المطبقة على حرية الأسعار، وإلى تنظيم المنافسة الحرة، كان ينبغي تعيين مجلس آخر إلا أن هذا لم يقع إلى حد الآن. ما هو سبب تعطيله وعدم تجديده منذ 2014؟ هل تظن بأن الأسباب تقنية؟ إذا كان مجلس المنافسة لا يتوفر على أية فعالية فلأن الأمر مرتبط بأسباب سياسية الجميع يعرف خلفياتها ولن نكشف جديدا، لأن من المفروض فيه أنه سيحارب الاحتكار والهيمنة وتداخل السلطة والمال. هل تتفق مع من يقول إن السلطات وجدت صعوبة في اختيار الشخصية المناسبة لهذا المجلس؟ (ضاحكا).. هناك المئات من الشخصيات المغربية التي يمكن أن تكون مؤهلة لتقلد هذا المنصب، أعتبر أن هذه من التبريرات التي لا مصداقية لها، ولا يمكن أن تقنع بها أحدا لأنه لا يمكن باختصار الثقة فيها، وفيمن يرددها لأنه لا يحترم ذكاء المغاربة. ما هي توقعاتك إذا استمر مجلس المنافسة معطلا وحملة المقاطعة متواصلة؟ أعتقد أن هناك احتقانا شعبيا مستمرا، لم يكن من الأجدر بالنسبة إلى الشركات المعنية بالمقاطعة أن تصطدم شعبيا مع المواطنين، إذا كانت واعية بمصالحها الاستراتيجية كمقاولات، وبمكانيزمات وعلوم التدبير، ينبغي عليها أن تعرف بأن هناك شيئا اسمه تدبير الأزمات، ومن بين بديهياته لا يجوز أن تنتقد المواطنين أو تسبهم وتحتقرهم، وتواجههم بأسلوب غير حضاري. أظن أن الحكمة ينبغي أن تسود، وأعتبر بألا أحد سيربح مما يقع حاليا، ينبغي على الجميع أن يُغلب منطق الحكمة، وأدعو الشركات إلى الاعتراف بالتجاوزات وتعمد إلى تخفيض الأسعار، ورغم ذلك ستستمر في جني المزيد من الأرباح، ولا أحد يريد أن يتجه الصراع إلى المزيد من التوتر فيخسر الجميع. فلهذا، فإنه من الحكمة أن تأخذ هذه الشركات بعين الاعتبار لما يعاني منه المواطنون، ولتلتقط إشارات التحذير التي تقول لها إنها تجاوزت الخطوط الحمراء، وهذا يفرض عليها أن تتجاوب مع مطلب الجماهير المتضررة الداعي إلى خفض الأسعار، حتى تضمن ديمومتها الاقتصادية في السوق. بدا واضحا أن حكومة العثماني عاجزة عن مواجهة ارتفاع الأسعار أو الاستجابة للمطالب الاجتماعية لفئات واسعة من المجتمع، هل يمكن أن تعصف بها هذه المقاطعة الشعبية؟ فاقد الشيء لا يعطيه، هذه الحكومة خرجت مائلة من الخيمة، والواقع اليومي يؤكد عجزها عن مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بسبب هيكلتها وتكوينها وميزان القوى المتحكم فيها، والذي يفرض عليها أن تبقى عاجزة عن حل مشكلات المغاربة.
مؤطر هناك من يقول إنه لا يكفي الاعتذار، هل ستُعجل المقاطعة باستقالة مالكي القرار الاقتصادي من السياسة؟ طبعا هذه المقاطعة هي رسالة سياسية واضحة واحتجاج على الجمع بين السلطة والمال، لكن دعني أقول لك، ينبغي أن نكون براغماتيين، ولا نطالب بكل شيء دفعة واحدة، أعني أن المقاطعة لها مطلب واحد ومحدد هو تخفيض الأسعار، ينبغي أن تنجح فيه، أما الاحتجاج على استمرار الجمع بين السلطة والمال، فيحتاج في نظري إلى إصلاح سياسي، وأنا أنتمي إلى حزب سياسي يطالب بإصلاح دستوري يتماشى مع هذا المطلب، وأذكرك بأننا في الحزب الاشتراكي الموحد لم نصوت على دستور 2011، لأن من بين نواقصه، هو الجمع بين المال والسلطة، أظن أن هذا المطلب يتطلب إصلاحا دستوريا. أعتقد أنه ينبغي التركيز على مطلب تخفيض الأسعار كمرحلة أولية ومستعجلة، مع استمرار النضال السياسي الذي ينبغي على الأحزاب والجمعيات والجماهير المقتنعة به في ربطه بإصلاح شمولي. ثم إن مطلب الإصلاح الدستوري بعد هذه الانتفاضة والمقاطعة الشعبية الناجحة سيخرج أكثر مصداقية وقوة مما كان عليه سابقا، على اعتبار أنه لا يمكن أن يكون هناك أي إقلاع اقتصادي في المغرب دون أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية وحدود تفصل ما بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي، لأننا وصلنا إلى مستوى أصبح فيه النظام السياسي عائقا أساسيا أمام التطور الاقتصادي للبلاد. في اعتقادي أن المدخل الرئيس لأي إصلاح كيفما كان يبدأ بترسيخ الديمقراطية وإقرار مبدأ فصل السلط، وهو الأمر الغائب في المغرب، حيث إننا نجد كل القرارات والخيارات الاستراتيجية محتكرة من طرف جهة واحدة، دون إشراك الفاعلين السياسيين الآخرين.