بعيدا عن التعريفات النظرية والأكاديمية لمفهوم الرأي العام، فإن الديناميات الشعبية والتعبيرات المجتمعية، التي تكشف عن نفسها كفيلة ببلورة مفهوم وظيفي للرأي العام، بدأ يتنامى في الآونة الأخيرة مع التطور المتسارع لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التفاعل الإعلامي.. بالموازاة مع ظاهرة المقاطعة الشعبية لعدد من المنتجات الاستهلاكية، وبغض النظر عن غموض الجهة الداعية، فإن مجموعة من الأفكار الشعبية والإبداعات المرافقة التي تصدر عن أفراد المجتمع، يؤكد بأن هناك رأيا موحدا نابعا من سيكولوجية جماعية مؤمنة بصواب خيار المقاطعة، ورافضة لأي خطاب مختلف.. لقد أثبتت هذه الدينامية على قدرة استثنائية لتغيير العديد من المفاهيم والأفكار السائدة، بما فيها إمكانية تغيير النمط الاستهلاكي الذي اعتاده المغاربة في أوقات محددة، وهكذا يمكن أن نلاحظ ببساطة أن انخفاض نسبة الإنتاج لدى عدد من الشركات المعنية بالمقاطعة لا يمكن تفسيره إلا بتراجع نسبة الاستهلاك لدى المواطن، وهذا تحول ثقافي لا ينبغي الاستهانة به، وهو ما يؤشر على بروز سلطة جديدة : الرأي العام. هذه السلطة الجديدة تستند، أساسا، على فعالية الأفراد داخل المجتمع، فالفرد / المواطن لم يعد فاعلا سلبيا أمام الأحداث الجارية، وإنما أصبح مشاركا بالرأي والموقف بواسطة الإمكانيات المتاحة في العالم الافتراضي، هذه المشاركة الفردية ساهمت في خلق آراء مشتركة تعني الاتفاق على موقف واحد بين عدد كبير من الأفراد، والمساهمة الجماعية في نشره والدعاية له والعمل على تنفيذه في الواقع العملي، . لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي فضاء مؤسساتيا للحوار وتبادل الأفكار وإنضاج القناعات الجماعية، وهو ما يفتح المجال أمام إمكانيات جدية لتشكيل رأي عام موحد حول قضايا مختلفة. نحن أمام نموذج فعال للتأثير المباشر على مقاولات اقتصادية قوية، وذلك بناء على قدرة الفرد على تقاسم قناعاته مع باقي الأفراد وتشكيل قناعات مشتركة قادرة على التنفيذ والتأثير الاقتصادي المباشر، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام إمكانيات التأثير السياسي أيضا، مما يتحتم معه عدم تجاهل الدور السياسي للفرد رغم ما يظهر عليه من لامبالاة.. طبعا، من الضروري الانتباه إلى الحالات التي يتكون فيها الرأي العام المشترك بطريقة عفوية أم تقف وراءه خطط واستراتيجيات منظمة، أم نكون أمام حالة مختلطة؟ بمعنى أن هناك إمكانية لوقوف جهات معينة لأغراض معينة وراء فكرة محددة تجند لها وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الفكرة يمكن أن تجد قبولا تلقائيا لدى شرائح واسعة من سكان "الفايسبوك" و"التويتر"، فتتحول إلى رأي عام موحد وراء فكرة واحدة. فمثلا، يمكن لأغنية رديئة لفنان مغمور أن تحظى بنسبة متابعة عالية، وقد تكون وراء شهرته بطريقة سريعة تتجاوز قدراته الفنية، كما يمكن لخبر كاذب أن ينتشر بسرعة كبيرة بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات الاتصالية المنظمة، خاصة مع تطور تقنيات "الذباب الإلكتروني"، وهي عبارة عن برمجيات تعتمد على حسابات وهمية تديرها جهة منظمة لخلق الانطباع بأن هناك رأيا عاما معبأ وراء فكرة محددة. هذا الأسلوب يجري استخدامه بالخصوص من طرف الأنظمة السلطوية، التي تعتمد على الإعلام كأداة للدعاية وتضليل الرأي العام، وتشويه سمعة المعارضين، والحيلولة دون تشكل رأي عام حقيقي يمتلك الوعي الضروري اللازم لأي خطوة إصلاحية.. في جميع الحالات، وبغض النظر عن جميع المحاولات الجارية لخلق رأي عام مزيف تابع للسلطة، فإن الرأي العام العفوي والتلقائي أصبح يشكل سلطة مضادة تتغذى، أساسا، على المفارقات والتناقضات التي يلمسها المواطن بين سلوك السلطة وممارساتها.