دخل المغرب، في الشهور القليلة الماضية، مرحلة تراجع حقوقي لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون رؤيتها في مغرب ما بعد هيئة الإنصاف والمصالحة ودستور 2011. اعتقالات بالمئات على خلفية احتجاجات اجتماعية، ومداهمة لصحيفة «أخبار اليوم» واعتقال مديرها الصحافي توفيق بوعشرين، وتضييق على الجمعيات الحقوقية والنشطاء المدنيين. العنوان الأبرز لهذه «الردة» يظلّ هو حراك الريف وما آل إليه من محاكمات وادعاءات صادمة بالتعرض للتعذيب. فإذا كان حراك الريف قد عرف مدا وجزرا، ومر بمنعرجات خطيرة أحيانا، فإنه حمل كذلك آمالا وبوادر انفراج أسعدت الجميع، ووجهتهم إلى التفكير بحكمة واعتدال في التعامل مع القضية، ليس خوفا من أحد، كما اتضح من خلال مسار الأحداث، ولكن، إسهاما في بلوغ حل توافقي ملح، وإبداء حسن النية في الاستعداد للتعامل بجدية ومسؤولية مع المؤسسات الرسمية، من أجل حلحلة الملف، وتجنب المزيد من التصعيد، الأمر الذي لن يخدم أي طرف. لكن، جرت رياح البعض بما لم يشتهه السفن، فرجحت كفة المقاربة الأمنية، وكانت الأولوية للحديد والنار، «حفظا لهيبة» الدولة كما صرح بذلك مسؤولو وزارة الداخلية غير ما مرة، والنتيجة مئات الشبان داخل السجون، ومحن جسيمة أحاطت بأسرهم، وتهم ثقيلة طمست معالم كل أمل في بلوغ باب الحرية، وبذلك يكون تعامل الدولة مع حراك الريف بمثابة المعول الذي عمق الأزمة الحقوقية للمملكة. هذه التراجعات الحقوقية المكثفة التي يعرفها المغرب حاليا، لا تنعكس على الصعيد الداخلي فقط، بل لها تبعات على صورة المغرب ومصالحه في الخارج. منظمة العفو الدولية كشفت، في تقريرها السنوي الأخير، صفحات سوداء خصّصتها للمغرب حول وضعية حقوق الإنسان في العالم. المنظمة، التي يوجد مقرّها في بريطانيا، اعتبرت أن المغرب شهد، في السنة الماضية، تدهورا شاملا في الحقوق والحريات، مجسدة ذلك في العديد من الاعتقالات والتدخلات الأمنية والمحاكمات، والتي قالت إنها حوّلت الحق في الاحتجاج إلى جريمة. فاتورة التعاطي الرسمي مع الحراك الذي عرفته منطقة الريف العام الماضي، تزداد فداحة بسبب الخسائر المتتالية التي يتكبدها المغرب بشأن صورته وعلاقاته الخارجية. فساعات بعد صدور التقرير الأسود، الذي نشرته منظمة العفو الدولية أواسط فبراير الماضي، أصدر القضاء الهولندي حكما صادما، يرفض من خلاله تسليم البرلماني السابق، سعيد شعو، إلى المغرب. شعو، الذي كانت الخارجية قد أصدرت بيانا رسميا بسببه متم يونيو 2017، واستدعت سفير المغرب لدى هولندا بهدف الضغط عليها لاعتقاله وتسليمه؛ حصل على رفض القضاء الهولندي، بسبب مخاوف هذا الأخير من احتمال تعرّضه للتعذيب والمحاكمة غير العادلة. في هذا السياق، لم يكن أهل جرادة يعتقدون أن احتجاجاتهم السلمية ستنتهي إلى ما آلت إليه، فقد دفعت الإشادة باحتجاجاتهم من قبل المسؤولين المغاربة، إلى الاعتقاد بأن ذلك صك يقيهم هراوات قوات الأمن. لكن بعد 3 أشهر من الاحتجاجات، التي انطلقت عقب وفاة الشقيقين جدوان والحسين الدعيوي، في بئر للفحم الحجري، والتي تأججت أكثر عقب وفاة الضحية الثالثة في ظرف أقل من شهرين، عبد الرحمان زكرياء، تغير الخطاب الرسمي تجاه الحركة الاحتجاجية التي عرفتها المدينة، وسرعان ما تطور الأمر في ظرف ساعات فقط، حيث انقلبت عبارات الإشادة إلى صكوك اتهام، يوجد بسببها اليوم أكثر من 70 معتقلا في سجن وجدة، أكثر من نصفهم ينتظرون محاكمتهم أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف. بتصريحه الصريح يوم الاثنين 2 أبريل الجاري، داخل قبة البرلمان، بأن «النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان باغيين يشعلو العافية فالمغرب كلو»، يكون وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، قد أكد ما كان يُعلن من جهة واحدة عن أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، وجمعيات أخرى، أصبحت في مرمى سلطات الداخلية التي تمنع أنشطتها وترفض تسليم فروعها وصولات الإيداع… وبأن الوضع الحقوقي، عموما، يعرف تراجعات ويعيش على وقع المضايقات. من جانبها، تعيش العصبة المغربية لحقوق الإنسان، المحسوبة على حزب الاستقلال، الوضع نفسه. محمد زهاري، الرئيس السابق للعصبة، يقول إن السلطات المغربية «انتقلت من انتقاء جمعيات على المقاس، والاعتراض على جمعيات بالاسم، إلى الاعتراض على الأشخاص غير المرغوب فيهم من طرف السلطات، أو الذين يخالفون في آرائهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والحقوقية السلطة السياسية القائمة». وذروة هذه التراجعات كانت مساء يوم الجمعة، 23 فبراير 2018، حين تعرض توفيق بوعشرين، مدير «أخبار اليوم»، للاعتقال من مكتبه في الدارالبيضاء. كان بوعشرين يهم بمغادرة مكتبه بعد إرسال الجريدة إلى المطبعة، قبل أن يفاجأ بالعشرات من رجال الشرطة بلباس مدني يعيدونه من مصعد عمارة الأحباس، وبعدها تم نقله رهن الاعتقال إلى مقر الفرقة الوطنية، ليكمل الآن شهره الثاني خلف القضبان دون أي مسوّغ قانوني.