حبل الوصل منقطع بين رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وسلفه في الحزب والحكومة عبدالإله بنكيران، هذا ما جاءت تصريحات جديدة لهذا الأخير لتأكيده. فرغم حرص الرجلين على عدم السقوط في تناقض أو مواجهة علنيين، إلا أن الأحداث والوقائع تؤكد أن الشرخ الذي أصاب حزب العدالة والتنمية بعد إعفاء زعيمه السابق، عبدالإله بنكيران، من تشكيل الحكومة قبل أكثر من عام، بات راسخا. الأمين العام السابق، الذي استضاف قبل أيام الزميل الصحافي جمال بدومة في بيته، قال إن وزراء حزبه باتوا يمتنعون عن لقائه أو زيارته، باستثناء الناطق الرسمي باسم الحكومة الحالية، مصطفى الخلفي، والذي قال إنه بمثابة ابنه. "من كنت أتمنى أن يزوروني ويستشير معي أكثر هو الدكتور سعد الدين العثماني، لكنه مع الأسف لم يفعل إلا مرتين"، يقول عبدالإله بنكيران كما ينقل الزميل بدومة في عموده الأسبوعي المنشور في الصفحة الأخيرة من هذا العدد. بنكيران أوضح أن المرة الأولى التي زاره فيها العثماني، كانت "حين جاء يستشيرني في شأن الاحتفاظ بعبدالقادر اعمارة أمينا لمالية الحزب"، أما المرة الثانية، فكانت قبل أن يتوجه منتصف شهر مارس الماضي إلى إنزكان، و"بعد أن صرح للصحافة أن زياراته لم تنقطع". مصدر موثوق أوضح ل"أخبار اليوم" أن الأمر يتعلّق بالزيارات التي قام بها العثماني إلى بنكيران بعد المؤتمر الوطني الذي انعقد شهر دجنبر الماضي، وانتهى بتولي العثماني منصب الأمانة العامة بدلا من بنكيران، "أما قبل ذلك، فجرى لقاءان أو ثلاثة في الفترة التي كان فيها العثماني رئيسا للحكومة وبنكيران أمينا عاما للحزب". في المقابل، يصرّ العثماني خلال خرجاته الخطابية ولقاءاته الحزبية، على أن علاقته ببنكيران جيّدة وودية، بالنظر إلى ما يسود القواعد الحزبية من أجواء سلبية منذ واقعة إعفاء بنكيران وقبول الحزب بتقديم التنازلات التي ظل يرفضها وأدت إلى إعفائه. العثماني قال في كلمته التي ألقاها منتصف مارس في ضيافة شبيبة الحزب بمدينة الدشيرة الجهادية بجهة سوس، إن هناك "انسجاما كاملا بينه وبين الأستاذ بنكيران". وأضاف العثماني أن هذا الأخير "أخ وصديق وحبيب منذ أكثر من 40 سنة"، مؤكدا أن لبنكيران مكانته داخل الحزب "ولا يمكن أن تتراجع". وذهب العثماني في الكلمة نفسها إلى أنه يزور بنكيران "وكانتشاورو أنا وياه مرة مرة، ونناقش أمور الحزب والبلاد، وسيستمر ذلك، اطمئنوا من هذه الناحية". بنكيران قال جوابا عن سؤال للزميل جمال بدومة إن أيا من وزراء الحزب لم يعد يزره، "لا أحد، باستثناء مصطفى الخلفي الذي لم يقطع زياراته، فهو بمثابة ابني، ومحمد يتيم من حين لآخر". وأبدى بنكيران أسفه من إقدام العثماني على استبعاد كل من يختلفون معه في التقدير السياسي للمرحلة من القيادة، مذكرا أنه عندما كان مكانه في الأمانة العامة، حرص على أن يكون إلى جانبه في القيادة من يعارضونه، "الرميد وحامي الدين وأفتاتي كلهم كانوا ضدي، وعندما اشتغلنا سويا في القيادة صاروا معي"، يقول بنكيران. ردّ غير مباشر قام به العثماني يوم الجمعة الماضية، خلال لقاء جمعه بأعضاء الفريق البرلماني للحزب، بمناسبة قرب افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان. العثماني قال إنه لم يسجل عليه يوم غادر وزارة الخارجية، "أنني حاولت التقليل من قيادة الحزب، بل رجعت لعيادتي واستمررت في التأطير وإسناد الأخ الأمين العام آنذاك ذ. عبدالإله بنكيران رغم اختلافنا في عدة قضايا". "أمور كثيرة اختلفنا فيها أنا والسي عبدالإله عندما كان أمينا عاما وأنا رئيس للمجلس الوطني، وهذا ليس عيبا، لكنني لم أضع له العصا في العجلة، وعندما كان يتخذ القرارات كنت أقف معه لأنه هو من يقود"، يقول العثماني، قبل أن يكشف أنه عندما أُعفي من وزارة الخارجية عام 2013، جاءه من داخل الحزب من اقترح عليه تأسيس حزب جديد، "والصحافيون كلهم طلبوا حوارات معي لكنني عرفت شنو باغيين، لذلك سديت عليهم. ووعد العثماني بالكشف في مذكراته عن تفاصيل أخرى حول ما جرى في تلك الفترة، "لكنه لم يسجل عليّ أي موقف أو كلمة حاولت فيها التقليل من قيادة الحزب لأنني كنت هناك باش نعاون". غضب بنكيران لا يرتبط فقط، بالتشكيلة التي اختارها العثماني للأمانة العامة للحزب، والتي اقتصرت على المؤيدين لمواقفه واختياراته؛ بل يمتدّ ليشمل بعض القرارات التي اتخذها وزراء الحزب مؤخرا، والقاضية بعزل بعض ممن عيّنهم بنكيران في مناصب رسمية خلال فترة توليه رئاسة الحكومة. مصدر مقرب من رئيس الحكومة السابق، قال إن هذا الأخير عبّر عن غضبه من القرارين اللذين اتخذهما كل من وزير الحكامة لحسن الداودي، ووزيرة المرأة بسيمة الحقاوي، والقاضيين بإعفاء كل من مديرة صندوق المقاصة ومدير التعاون الوطني. وزير الحكامة والشؤون العامة لحسن الداودي، أقدم على إعفاء سليمة بناني، من منصب مديرة صندوق المقاصة. بناني كانت قد عيّنت في هذا المنصب في عهد حكومة بنكيران عام 2013، ويصفها مقربون منها بأنها صارمة في تدبير هذا الصندوق الحساس. من جانبها، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي، فتحت باب الترشيح لشغل منصب مدير التعاون الوطني، أي إعفاء المدير الحالي عبدالمنعم المدني، والذي عين بدوره في عهد الحكومة السابقة. قرارات "تصفية" تركة بنكيران أكدها إبعاد إدريس الأزمي عن رئاسة مؤسسة منتخبي الحزب، وإبعاد عبدالغني لخضر عن رئاسة منتدى الأطر، ومن ثم عن عضوية الأمانة العامة.