بعد القرار الملكي القاضي بفتح المجال أمام النساء المغربيات لممارسة مهنة العدول، أكد العدول ورجال الدين والقانونيون والحقوقيات، على أن الطريق معبدة للنساء لممارسة مهنة العدول، وألا شيء يحول دون ذلك، سواء في النص الديني أو التشريع الوضعي، وذلك خلال أول مناظرة تنظم في هذا الخصوص، والمنظمة من طرف المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط تحت عنوان: "المرأة العدل بين الإنصاف والتمييز"، غير أنهم اعتبروا أنه من الضروري إجراء إصلاح جذري لقانون مهنة العدل، لتحسين ظروفَ عمل مريحة للعدول، سواء الذكور أو الإناث. وفي هذا الصدد، قال الحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيراتتمارة، إنه يجب التفريق بين الشهادة، التي نصَّ القرآن على أنْ تكون من طرف امرأتيْن، وبين التوثيق العدلي، موضحا أنه "ليس هناك خلاف بين الفقهاء على أن المرأة توثق"، مشيرا إلى أنه "إذا ضيق فقهاء المالكية على المرأة في هذا الخصوص، فيمكن اللجوء والاستئناس بآراء فقهاء مذاهب أخرى، بالإضافة إلى وفتح باب الاجتهاد". وأضاف أنه "ليس هناك في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يمنع المرأة من ممارسة مهنة التوثيق العدلي"، مشيرا إلى أن "هذا الرأي الفقهي الذي تبناه المجلس العلمي الأعلى، لأنّ المرأة ولجتْ جميع المجالات، وأثبتت جدارتها". فضلا عن هذا، المباراة التي ستجرى في السادس من شهر ماي القادم، بلغتْ فيها نسبة النساء المرشحات لاجتياز مباراة مهنة العدول 42 في المائة ، من مجموع المرشحين الذين سيتباروْن على 800 منصب، حسب المعطيات الرقمية التي قدمها شيكر الفتوح، القاضي المستشار بديوان وزير العدل، مشيرا إلى هذه النسبة "تؤكد بأن حظوظ المرأة لولوج مهنة التوثيق العدلي ستكون قوية". وفي هذا الصدد، ستخضع النساء الناجحات في مباراة مهنة العدول، مثل الرجال، لدورة تكوين نظري وتطبيقي مكثف، يدوم ثلاث سنوات، في المعهد العالي للقضاء، وداخل أقسام التوثيق في المحاكم والمؤسسات المرتبطة بهذه المهنة. قانون متجاوز بالرغم من أنه لم يعد تفصلنا إلا أسابيع عن المباراة الأولى من نوعها في مهنة العدول والتي ستعرف مشاركة النساء، غير أنه هناك أصوات تنادي بتغيير القانون المنظم للمهنة، حتى يتم توفير الشروط المناسبة لعمل المرأة العدول. أسماء المودن، عضو منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أكدت على ضرورة إصلاح القانون 16/03 المؤطر لعمل العدول، حيث ترى أن "هذا القانون غير مناسب لأن يكون مدخلا لولوج المرأة إلى مهنة التوثيق العدلي"، وأضافت أن "البيئة التي يمارس فيها العدول حاليا غير مناسبة، وحرجة جدا، وفي حالة ترك الوضع على ما هو عليه، سيكرس التمييز ضد المرأة العدل أكثر". بدوره، قال الحبيب غازي، رئيس اللجنة العلمية بالمجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط، إنّ قانون العدول في المغرب "غير ملائم لدخول النساء إلى مهنة العدول، فضلا عن كونه يتضمن مجموعة من القيود"، موضحا بمثال عن التوقيف قائلا: "يمكن للوكيل العام توقيف العدْل بإذن من وزير العدل؛ وهذا يشكّل تناقضا مع روح الدستور، الذي ينص على قرينة البراءة، وهنا في هذا الوضع العدل يبقى متهما حتى تثبت إدانته". آليات لولوج المرأة للعدول دعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة توفير الآليات الضرورية لولوج المرأة لمهنة العدول، حيث شدد عبد الغفور حجي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط، على ضرورة توفير آليات لكي تشتغل المرأة في ظروف ملائمة، كتلك التي تشتغل فيها النساء في باقي المهَن القضائية، مضيفا "نرحب بالمرأة في مهنة التوثيق العدلي، ولكن لا يجب أنْ نفتح لها الباب لولوج هذه المهنة، ونقّيد يديها بآليات قديمة"، وأردف "نحن نطالب برقمنة الإدارة، وحق الإيداع للعدول وبالإشهاد على الصعيد الوطني". واعتبر حاجي أن دخول المرأة خطة العدالة "مدخل لتحديث المهنة، وإعطائها مكانتها ودمجها في محيطها الاقتصادي والاجتماعي"، مشيرا إلى أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن المرأة العدل ستزاول المهنة كما يمارسها الرجل ولن تخضع للتمييز. عقود الزواج والطلاق في الوقت الذي سمح الملك محمد السادس للنساء ولوج مهنة العدول، هناك أصوات معارضة تدفع في اتجاه حرمان النساء من توثيق عقود الزواج والطلاق، غير أنه خلال المناظرة، دافع عدد من المشاركين عن هذا الشق، حيث أكد عبد السلام أيت سعيد، الأستاذ الباحث في الحكامة التوثيقية ومقاصد الشريعة، على أنه "لا يوجد مانع أن توثّق المرأة بمفردها جميع المعاملات، بما فيها عقود الزواج والطلاق"، مستدلا بأن هناك مجموعة من الأدلة التي تؤكد أن المرأة كانت تكتب عقود الزواج والطلاق في عهد الرسول، مشيرا إلى أنَّ الذين يتحفظون على توثيق المرأة لجميع العقود ينطلقون من "قراءة سطحية للنصوص الدينية"، ولا يراعون مبدأ جعْل الدين مواكبا لتطور العصر. من جانبها، اعتبرت المودن أنه بإمكان المرأة توثيق عقود الزواج والطلاق بمفردها دون شرط وجود شاهدين، مشيرة إلى أن هناك تناقضا صارخا بين المرأة العدل والموثقة، حيث إن الموثقة لها كامل الصلاحية لتوثيق جميع العقود وتحملها مسؤولية ذلك، بينما العدول فمهامه محدودة بالمكان والزمان.