على بُعد خمسة أسابيع من إجراء مباراة الولوج إلى مهنة التوثيق العدلي، والتي تشارك فيها النساء لأوّل مرة في تاريخ المغرب، نظم المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط مناظرة حول "المرأة العدل بين الإنصاف والتمييز"؛ وهي أوّل مناظرة من نوعها بعد القرار المتخذ، بأمر من الملك محمد السادس، والقاضي بفتح المجال أمام النساء المغربيات لممارسة مهنة العدول. وأجمع المشاركون والمشاركات في المناظرة، من عدول ورجال دين وخبراء قانون، وقياديات في منظمات نسائية، على ألّا شيء يحُول دون ممارسة المرأة لمهنة التوثيق العدلي، سواء في النصّ الديني، أو في التشريعات الوطنية، داعين إلى إجراء إصلاح جذري لقانون مهنة العدل، ليوفّر ظروفَ عمل مريحة للعدول، سواء الذكور أو الإناث. عبد الغفور حجي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط، قال في تصريح لهسبريس إنَّ الإطار القانوني والفقهي المنظم لمهنة التوثيق العدلي لا يوجد فيه شرط يمنع المرأة من ممارسة هذه المهنة، مبرزا أنَّ الرجل والمرأة سيان، ولا فرق بينهما، وأنّ المرأة العدل ستزاول المهنة شأنُها شأنَ الرجل، خاصة أنّ دستور المملكة يضمن المساواة بين الجنسين. ورغم أنَّ ولوجَ المرأة المغربية إلى مهنة التوثيق العدلي أضحى أمْرا واقعا، وسيتمّ بعد إجراء المباراة التي ستنظمها وزارة العدل يوم 6 مايو القادم، تسودُ تخوّفات من طرف مهنيي مهنة العدول من عدم توفير الأرضية الملائمة لإنجاح إدماج المرأة في هذه المهنة. وفي هذا الإطار دعا عبد الغفور حجي إلى توفير آليات لكي تشتغل المرأة في ظروف ملائمة، كتلك التي تشتغل فيها النساء في باقي المهَن القضائية. "مرحبا بالمرأة في مهنة التوثيق العدلي، ولكنْ لا يجب أنْ نفتح لها الباب لولوج هذه المهنة، لأوّل مرة، ونقيِّد يديْها بآليات قديمة"، يقول عبد الغفور حجي، مضيفا: "نحن نطالب برقمنة الإدارة، وحق الإيداع للعدول، وبالإشهاد، على الصعيد الوطني"، وأكّد أنّ دخول المرأة خطة العدالة "مدخل لتحديث المهنة، وإعطائها مكانتها ودمجها في محيطها الاقتصادي والاجتماعي". وبلغتْ نسبة النساء المرشحات لاجتياز مباراة مهنة العدول، التي ستُجرى يوم 6 مايو القادم، من مجموع المرشحين الذين سيتباروْن على 800 منصب، 42 في المائة، حسب المعطيات الرقمية التي قدمها شيكر الفتوح، القاضي المستشار بديوان وزير العدل، مبرزا أنَّ هذه النسبة "تنبئ بأنّ حظوظ المرأة لولوج مهنة التوثيق العدلي ستكون قوية". وستخضع النساء الناجحات في مباراة مهنة العدول، مثل الرجال، لدورة تكوين نظري وتطبيقي مكثف، يدوم ثلاث سنوات، في المعهد العالي للقضاء، وداخل أقسام التوثيق في المحاكم والمؤسسات المرتبطة بهذه المهنة. وقال المسؤول بوزارة العدل: "المرأة المغربية تتقلد أسمى المناصب، ومتأكّدون أنها ستكون في المستوى نفسه حين مزاولتها لمهنة العدول". وفيما برزتْ عدد من الأصوات المحافظة التي أبدتْ معارضة لتوثيق المرأة بعض العقود، وخاصة عقود الزواج والطلاق، دافعَ المشاركون في مناظرة المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط عن حق المرأة في توثيق جميع العقود. وذهب عبد السلام أيت سعيد، الأستاذ الباحث في الحكامة التوثيقية ومقاصد الشريعة، إلى القول: "لا أرى مانعا أن توثّق المرأة بمفردها جميع المعاملات، بما فيها عقود الزواج والطلاق". واستدلَّ أيت سعيد بمجموعة من الأدلة التي قال إنها تؤكّد أنَّ المرأة كانت تكتب عقود الزواج والطلاق في عهد الرسول، مشيرا إلى أنَّ الذين يتحفظون على توثيق المرأة لجميع العقود ينطلقون من "قراءة سطحية للنصوص الدينية"، ولا يراعون مبدأ جعْل الدين مواكبا لتطور العصر. ودعا الحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيراتتمارة، إلى التفريق بين الشهادة، التي نصَّ القرآن على أنْ تكون من طرف امرأتيْن، وبين التوثيق العدلي، أي الكتابة، قائلا: "ليس هناك خلاف بين الفقهاء على أنَّ المرأة توثّق، وإذا كان هناك تضييق في ما سطّره فقهاء المالكية فيُمكن الاستئناس بآراء فقهاء مذاهبَ أخرى، وفتْح باب الاجتهاد". وذهب رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات تمارة إلى القول: "ليس هناك في القرآن الكريم والسنّة النبوية ما يمنع المرأة من ممارسة مهنة التوثيق العدلي، وهذا الرأي الفقهي الذي تبنّاه المجلس العلمي الأعلى يسايرُ الواقع، لأنّ المرأة ولجتْ جميع المجالات، وأثبتت جدارتها". أسماء المودن، عضو منتدى الزهراء للمرأة المغربية، والمحامية، شدّدت على ضرورة إصلاح القانون 16/03 المؤطر لعمل العدول، قائلة: "هذا القانون غير مناسب لأنْ يكون مَدخلا لولوج المرأة إلى مهنة التوثيق العدلي، لأنَّ البيئة التي يمارس فيها العدول حاليا غير مناسبة، وحرجة جدا، وإذا لم يتمّ إصلاح هذه البيئة سيكرّس التمييز ضدَّ المرأة العدل أكثر". في هذا الإطار قال الحبيب غازي، رئيس اللجنة العلمية بالمجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط، إنَّ القانون 16/03 "غير ملائم لدخول النساء إلى مهنة العدول، فضلا عن كونه يتضمن مجموعة من القيود"، مضيفا، وهو يخاطب الوكيل العام للملك باستنئافية الرباط، الذي حضر أطوار المناظرة: "يمكن للوكيل العام توقيف العدْل بإذن من وزير العدل؛ أفلا يشكّل هذا تناقضا مع روح الدستور، الذي ينصّ على قرينة البراءة؟"، مضيفا: "في حالتنا نحن، فإنَّ العدْل مُتهم حتى تثبت إدانته". وفيما لازالَت الآراء السائدة في المجتمع منقسمة بين مؤيد بشكل مطلق لولوج المرأة إلى مهنة العدول، وبين معارض ومحتفظ، قالت عاطفة تمجردين، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إنّ المدخل الرئيسي لإنجاح إدماج المرأة في هذه المهنة، هو المدخل التربوي؛ "باعتبار أنَّ المدرسة هي المؤهلة لبناء، أو إعادة بناء، التصورات حول المرأة، وتغيير التمثلات الخاطئة إزاءها". عائشة الخماس، رئيسة اتحاد العمل النسائي، قالت إنَّ ولوج المرأة إلى مهنة العدول "فيه إغناء لهذه المهنة، وإزالة كل ما من شأنه أن يرسخ التمييز ضدّ النساء"، مضيفة: "نحن المغربيات والمغاربة مطالبون بمواصلة النضال لمحاربة كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة".