شهد العالم، خلال السنوات القليلة الماضية، مئات، وربما آلاف الاحتجاجات، من ثورات الربيع العربي إلى الاحتجاجات في إسبانيا وتركيا والبرازيل، مرورا بحركة "احتلوا وول ستريت" الأمريكية. لكن هذه الاحتجاجات اتخذت أشكالا جديدة، ليس فقط في العالم العربي، بل في إسبانيا والولاياتالمتحدة وأيسلندا وتركيا والبرازيل. في هذا السياق، يرصد الباحث والكاتب الأمريكي مانويل كاستلز، في كتابه "شبكات الغضب والأمل: الحركات الاجتماعية في عصر الأنترنت"، هذه الأشكال عربيا وغربيا. في هذا الكتاب، يعتبر المؤلف مانويل كاستلز، عالم الاجتماع المتخصص في علم الاتصال، أنه بالرغم من الاختلافات المؤدية إلى اندلاع كل حركة من تلك الحركات إلا أن ثمة قاسما مشتركا بينها، وهو صلة الحراك الوثيقة بإنشاء شبكات اتصال مستقلة تدعمها الإنترنت وأدوات الاتصال الحديثة. ومن هذا المنطلق يبحث هذا الكتاب في الجذور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحركات الاحتجاجية، وفي ابتكارها طرائق جديدة في تنظيم نفسها مقوما دور التقنية الاتصالية الحديثة في ديناميات الاحتجاج الشعبي وقدرة الحراك المدني على تغييرات سياسية من خلال التأثير في أفكار الناس. هذا، وخصص المؤلف للحراك المصري مساحة شاسعة، يتناول من خلالها تفاصيل، وبداية اندلاعه، ثم يتوقف عند بعض النقاط التي عرفت في بداية الحراك على الأنترنت، وكيف تعاملت السلطة في عهد مبارك معه، ثم كيف تغلبت شبكات التواصل التقني عليها، كما يتأمل دور المرأة في الحراك، ثم يناقش المسألة الدينية في الحراك، أي مدى سيطرة الإسلاميين عليه، وإن بدا أنه ينفي أي سيادة لهذا التيار خلال الحركة الاحتجاجية، ربما لأن الكتاب كُتب في فترة لصيقة بالحراك المصري ولم تكن جماعة الإخوان قد وصلت السلطة بعد. ويضم الكتاب قدرا مهما من المعلومات والإحصاءات والجداول الخاصة بالحركة الاقتصادية، التي أدت إلى الاحتجاجات الاجتماعية في الولاياتالمتحدة وأوروبا لتوفر الجهات المعلوماتية الموثوقة، مقارنة بنظيرتها المتاحة في المنطقة العربية. كما يتضمن رؤية الكاتب الخاصة بأن أغلب تلك الحركات كانت تفتقر للإيديولوجيا أو للتخطيط المركزي، وأهم ما يمكن تأمله أيضا، الكيفية التي كان الحراك الغربي فيها يتصل ببعضه إقليميا إذا اقتضي الأمر، على عكس شبكات التواصل العربية التي اكتفت بالتحرك الضيق في الميادين وبعض المدن الصغيرة. ويقارن الكاتب بين شبكات اتصال السلطة في تلك المجتمعات موضوع الحراك، في مواجهة شبكات اتصال المحتجين، والطريقة التي كانت كل منها تدير حركة شبكة اتصالاتها. الكتاب شديد الأهمية في دوره لإعادة تأمل الحراك من وجهة نظر أوسع من المنظور الضيق لأصحاب تلك الحركات، ويكشف تنوع التواصل وطبيعته وأهدافه وفقا للمجتمع الذي يتم فيه الحراك. جدير بالذكر أن الكاتب مانويل كاستلز، يشغل كرسي أستاذية واليس أننبرغ للاتصالات والتكنولوجيا والمجتمع، في كلية أننبرغ للاتصالات التابعة لجامعة جنوب كاليفورنيا بلوس أنجلوس، وأستاذ فخري لعلم الاجتماع والتخطيط الحضري في جامعة كاليفورنيا – بيركلي. أما المترجمة هايدي عبداللطيف، فهي مترجمة وصحافية مصرية حاصلة على ليسانس آداب اللغة الفرنسية من كلية الآداب جامعة عين شمس، وترجمت عددا كبيرا من المقالات والنصوص الأكاديمية والنصوص المعاصرة في الآداب والفكر والفنون.