بعد الموقف الدبلوماسي الذي تميّز به المغرب فور انفجار الخلاف بين دولة قطر وجيرانها الخليجيين إلى جانب مصر، وإعلان المملكة وقوفها في الحياد بين الدولة و"دول الحصار"؛ شهدت العلاقات المغربية القطرية هذا الأسبوع طفرة جديدة. اللجنة العليا المشتركة التي يشرف عليها رئيسا حكومتي البلدين، اجتمعت أمس بالرباط، وقبلها خصّ الملك محمد السادس رئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الداخلية عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، بحفل عشاء رسمي، ترأسه رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني. هذا الأخير قال صباح أمس في افتتاح اجتماع اللجنة العليا المشتركة؛ أشاد بالفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال القطريين الذين قال إنهم اختاروا المغرب وجهة لهم، "والذين يثقون في إمكانياته الاقتصادية والتجارية والفرص التي يزخر بها المناخ الاستثماري". وأضاف العثماني أنه وفي المقابل، هناك عدد من المجالات الحيوية التي "يستدعي التعاون فيها الانتقال إلى سرعة أعلى، وإلى تكثيف الجهود المشتركة من أجل دعمها والارتقاء بها". الاجتماع عالي المستوى، الذي سبقته تحضيرات واتصالات مكثفة، انتهى بتوقيع البلدين على 11 اتفاقا ومذكرة تفاهم وبرنامج عمل، تهم أساسا قطاعات الفلاحة والتجارة والنقل والإسكان والمالية والقطاع البنكي والإعلام والصناعة التقليدية… المغرب حصل في هذا الاجتماع على تأكيد للموقف القطري من ملف الصحراء، حيث قالت الدوحة إنها تعتبر أن أي حل لهذا النزاع لا يمكن أن يتم خارج السيادة المغربية. من بين أهم الاتفاقيات التي تم توقيعها، توجد مذكرة تفاهم حول تبادل التحريات في المجال المالي ومحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. البيان المشترك الذي عممته الخارجية المغربية في ختام الاجتماع، تضمّن تنويها بالدور الذي يقوم به الملك محمد السادس في إفريقيا، "بما يتجاوب مع تطلعات شعوبها في التقدم والنماء". الإشارة الأخيرة تؤكد دخول الرباطوالدوحة مرحلة من التقارب تجاه القارة الإفريقية، حيث كان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، قد قام في خطوة هي الأولى من نوعها شهر دجنبر الماضي، بجولة تقوده إلى دول غرب إفريقيا، العمق الاستراتيجي الأول للمغرب. أمير قطر حلّ أولا بالعاصمة السنغالية في مستهل جولة قادته إلى ست دول غرب إفريقية، وذلك على طريقة الجولات التي يقوم بها الملك محمد السادس في إفريقيا. أمير قطر زار بعد السنغال كلا من مالي وغينيا وبوركينا فاصو والكوت ديفوار وغانا. وكانت هذه الجولة قد تمت في إطار محاولات الدوحة كسر طوق الحصار الذي فرضه عليها جيرانها الخليجيون، منذ منتصف العام 2017، حين فرضت كل من العربية السعودية والإمارات والبحرية ومصر، حصارا شاملا على قطر. قطر كانت قد استقبلت الملك محمد السادس شهر نونبر الماضي، حيث كان الأمير تميم بن حمد، سيكون في استقبال الملك في مطار حمد الدولي. الزيارة الملكية كانت الأولى إلى منطقة الخليج منذ اندلاع الأزمة العاصفة بين قطر وجيرانها. وصول الملك إلى قطر أتى مباشرة بعد زيارته الرسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث كان إلى جانب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أبرز الضيوف المشاركين في تدشين متحف "اللوفر" بأبو ظبي. هذه الزيارة أكدت الخيار المتفرّد الذي قام به المغرب لحظة انفجار الأزمة الخليجية، حيث كان المغرب قد بعث طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى الدوحة، وبعث وزير خارجيته ناصر بوريطة إلى المنطقة، لمحاولة لعب دور الوساطة وتفسير الموقف المغربي القائم على الحياد. عشية وصول رئيس مجلس الوزراء القطري إلى المغرب، تضمنت النشرة الأخيرة من الجريدة الرسمية، ظهيرين ينصان على دخول اتفاقيتين استراتيجيتين بين المغرب وقطر حيّز التطبيق. الظهير الأول يهم اتفاقية التعاون القضائي المغربي القطري، فيما يتعلق الظهير الثاني بمذكرة التفاهم التي وقعها البلدان في أبريل 2016، حول النفط والغاز والكهرباء والطاقات المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة. المغرب يعوّل بشكل خاص على الإمكانيات والخبرات القطرية، في تحقيق تحوّله الطاقي الذي انطلق تفعيله بهدف التخفيف من تبعية المملكة الخارجية. الدوحة كانت، أيضا، محطة لآخر مهمة خارجية لرئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، حيث استقبله الأمير تميم بن حمد آل ثاني شهر مارس من العام الماضي. ذلك اللقاء الذي جمع أمير قطر بعبدالإله بنكيران، شهد تجديد المسؤولين القطريين رغبتهم في إنجاز استثمارات أكبر وذات بعد اجتماعي في المغرب. المسؤولون القطريون جددوا حينها التعبير عن استعدادهم لاستقبال قرابة 20 ألف مغربي للعمل في وظائف مختلفة، وذلك بناء على مبادرة انطلقت قبل سنوات ولم تحقق أهدافها.