قال صطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية ومحلل سياسي، إنه لا يمكن لسعد الدين العثماني أن يمنع عبد الاله بنكيران من الكلام، ولا يمكنه أن يدعم علنا ما يقوله. كيف تؤثر الخرجة المدوية الأخيرة لعبد الإله بنكيران على أوضاع البيجيدي؟ أجبر عبد الإله بنكيران نفسه، منذ أشهر، على التزام الصمت. لكنه، ظل يرسل، رغم ذلك، إشارات هنا وهناك إلى من يهمه الأمر من داخل وخارج حزبه. ورغم أنه كان يغلي، فقد استطاع كبح جماح طبعه الصريح والمباشر. كان عليه أن يدبر تضافر حدثين؛ الأول يتمثل في الإهانة التي تعرض لها عمليا عدة أشهر، كرئيس حكومة معين، والثاني يتمثل في «الخيانة»، أو أقلها التنازل الذي تمثل في قبول العثماني بتشكيل الأغلبية. بعد مرور ثمانية أشهر، ما هي أوضاع الحزب الإسلامي اليوم؟ خرج الحزب منقسما منذ سنة 2017. هذا الانقسام ظهر بجلاء بصفة خاصة في 5 أبريل خلال تعيين حكومة العثماني. وتواصلت حالة الانقسام إلى متم العام المنصرم من خلال الاستقطاب الذي جرى حول قضية التمديد لبنكيران ولاية جديدة من عدمه من خلال تعديل مادة بالقانون الداخلي، علما أن بنكيران تولى رئاسة الأمانة العامة منذ 2008. وقد عكس المؤتمر الثامن للحزب، الذي انعقد خلال 9 و10 دجنبر الماضي، الانقسام الحاصل بين تيارين؛ تيار سعد الدين العثماني الذي حصل على ألف و24 صوتا، وتيار إدريس الأزمي الإدريسي، المقرب من بنكيران، والذي حصل على 912 صوتا خلال انتخابات اختيار الأمين العام الجديد. الأزمي الذي يشغل منصب عمدة فاس ورئيس الفريق النيابي للحزب، انتخب رئيسا للمجلس الوطني للحزب بأغلبية قوية فاقت 80 في المائة من مجموع المصوتين. طيب، ما هو التحدي المطروح حاليا على البيجيدي؟ في المحصلة، الحزب أمام وضع جديد يتميز بوجهين قياديين بارزين مع بداية 2018؛ بنكيران، الذي عاد إلى صفوف القواعد وصار عضوا عاديا في الحزب، والعثماني الذي صار أمينا عاما للحزب في وقت يشغل فيه أيضا منصب رئيس الحكومة. هذا الوضع الجديد خلف انعكاسات عديدة على مكانة ودور الحزب. في الانتخابات الجزئية لعام 2017، سجل الحزب تراجعا مهما بسبب ضعف تعبئة مناضليه والناخبين جنبا إلى جنب مع التعبئة «النشيطة» لأحزاب الأغلبية تحت وصاية عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار. أكثر من ذلك، تأثر العثماني، باعتباره رئيسا للحكومة، سلبا بانقسام حزبه، وزاد ذلك من ضعف وهشاشة وضعه، وهو وضع مخالف لما عاشه سلفه بنكيران ما بين 2012 و2016. وهناك عامل دفع في هذا الاتجاه، ويتعلق الأمر بطموح أخنوش المعلن إلى الفوز في انتخابات 2021 التشريعية. التحدي الذي طرح على الحزب، وفقا لما سبق، تمثل في التصدي لكل هذه المناورات. لكن كيف؟ يبدو أن الإجراء الوحيد الذي تم التوصل إليه تمثل في الحفاظ على وحدة الحزب. بنكيران والعثماني يلحان كثيرا على ضرورة بقاء الحزب موحدا، فقد قدرّا أنه من المهم رص الصفوف، والحرص على التشبث بالقيم المتضمنة في المرجعية الإسلامية للحزب واحترامها. بالموازاة مع ذلك، تقرر وضع الاختلافات بشأن أساليب الرد، أو الاختلافات السياسية بخصوص العلاقات بباقي الحلفاء بالأغلبية في مرتبة ثانوية (قياسا إلى مسألة وحدة الصف). هذه القراءة المشتركة هي التي تفسر الخطاب الذي ألقاه كل طرف خلال المؤتمر السادس لشبيبة الحزب يوم 3 فبراير الماضي. العثماني دعا إلى اليقظة، وأكد أن الحزب مستهدف. بنكيران، من جانبه، كان أكثر صرامة بهجومه المباشر على أخنوش والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. نحن أمام نبرتين تدخلان في «قراءة سياسية متقاطعة (مشتركة) ضد الخصوم»، وفي مقدمتهم عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار. وما هي التحديات الأهم التي على العثماني رفعها وهو في وضعه الهش الحالي؟ العثماني يواجه تحديين على الأقل. التحدي الأول يتمثل في كيف يمكنه التعامل مع بنكيران الجديد، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب؟ علما أن هذا الأخير يستثمر بشكل جيد عدة مزايا: مثل الكاريزمية والشعبية والتواصل، ودفاعه عن قيم الحزب قبل 2011 وما بين 2011-2016، كما يستثمر الدعم الواسع الذي يحظى به داخل الحزب (المجلس الوطني، الشبيبة، البرلمان). أما التحدي الثاني فيتصل بكيفية تعزيز وضعه وصلاحياته كرئيس حكومة في وقت يتولى فيه مسؤولية تسيير حزب منقسم بين أطروحتين. وحسب ما يظهر، ترتسم اليوم في لوحة الحزب صيغة لتقاسم الأدوار. لا يمكن العثماني أن يمنع بنكيران من الكلام، ولا يمكنه أن يدعم علنا ما يقوله أو سيقوله في المستقبل. وقد رأينا ذلك يوم الأربعاء 7 فبراير، بتصريحه بأن كلام بنكيران لا يمكن أن يزعزع الأغلبية. وهو بذلك لم ينف أو يصحح تصريحات بنكيران. العثماني يقدّر بلا شك أنه ليس أمامه من خيار آخر غير التأقلم وتدبير وضعه المؤسسي، باعتبار أنه من الصعب نزع الزعامة السياسية عن بنكيران. فهل يمكن أن يصمد هذا الازدواج الوظيفي، الملاحظ، بحكم الواقع، في إدارة العدالة والتنمية في كافة الحالات، والذي يسمح في الظرفية الحالية بمواجهة الخصوم وتنشيط حماس المناضلين. الزمن كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.