مرَّ على تنصيب الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين، عامٌ وستة أيام )20 يناير 2017 26 يناير 2018(، شهدت خلاله أمريكا وقائع وقرارات لم تعرف نظيرا لها منذ عقود، وربما لم تشهدها على امتداد تاريخها الحديث. فالرئيس المنتخب "دونالد ترامب" خلق الحيرة والارتباك لمحيطه القريب، وأذكى روح الاندهاش والاستغراب لدى حلفائه، واستنفر معارضيه والمناوئين لتفكيره، وأخطر ما في الأمر أنه أعطى انطباعاً وكأن أمريكا تُحكم بشخص، وليس بمؤسسات وقوانين. كان متوقعا أن يكون "دونالد ترامب"، إن فاز في الانتخابات، رئيساً استثنائيا، حتى لا نقول شاذاً، لأمريكا، بسبب تاريخه الموسوم بالانغماس في عالم المال والأعمال، المحكوم بقيم الربح والمنفعة والمصلحة بكل الوسائل، والبعيد عن عالم السياسة ومتطلباته و"أخلاقياته". لنُذكر أن مناصريه من الحزب الجمهوري، فكروا في مرحلة ما من الحملة الانتخابية التخلي عنه، والاستغناء عن دعمه، تقديرا من الكثير منهم أنه غير جدير بتمثيلهم، وبقيادة أمريكا.. لكن شاءت لُعبة الانتخابات ومقتضياتها أن يستمر مرشحاً، وأن يفوز، ويتولى دستوريا حكم أمريكا وقيادتها، وزعامة العالم بواسطتها. تَضمَّن برنامجُ "ترامب" الانتخابي وعوداً أقنعت الكثير من الدول والمجتمعات بأن أمريكا ستعرف تغيرات جوهرية في سياساتها تجاه العالم، وأن العديد من الخطوات التي أقدم عليها رؤساء أمريكا السابقون، وآخرهم "باراك أوباما"، سيقع التنصل منها بالتدريج. وفي خطاب التنصيب (20 يناير 2017(، أعاد "ترامب" التعبير، بشكل ناري، عن روح العداء والوعيد التي هو مصمم عليها، ومقبل على نهجها.. ولعل هذا ما حصل في عمومه على امتداد السنة الأولى من حكمه. دشّن "ترامب" سياسته الجديدة بقرار منع رعايا سبع دول عربية مسلمة من دخول التراب الأمريكي، حصل ذلك في 27 يناير 2017، أي بعد أسبوع من أدائه القسم، حين حظر على كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وإيران والصومال والسودان، ولوج الأراضي الأمريكية، مع ما يمكن أن يخلق هذا الإجراء من أضرار مادية وبشرية على مواطني هذه البلدان والعالم من حولهم. وفي السادس من أبريل الموالي له، أمر بضرب النظام السوري، تحت ذريعة استخدام هذا الأخير الأسلحة الكميائية في "خان شيخون". وفي التاسع من ماي من السنة ذاتها، أقال مدير مكتب "التحقيق الفيدرالي" "جيمس كومي" من منصبه. وبالموازاة، فتح "ترامب" جبهات على المستوى الدولي، حين أعلن في فاتح يونيو 2017 عن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، معللا قراره بأنه يرفض أي شيء يقف في طريق "إنهاض الاقتصاد الأمريكي"، والواقع أنه سبق له ووعد في حملته الانتخابية بالانسحاب في حالة الفوز. ولعل أبرز ما سعى إلى التخلص منه، تركة سابقه "باراك أوباما"، وسياساته الكبرى، كما هو حال "أوباما كير"، أي سياسة الرعاية الصحية، التي اعتبرها الديمقراطيون من أهم إنجازات حقبة ولايتهم. وهكذا، توالت قفزات "ترامب" وقراراته المثيرة للاندهاش والامتعاض، لتمتد إلى الانسحاب من منظمة "اليونسكو" في 12 أكتوبر 2017، ورفض الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق النووي في اليوم الموالي له (13 أكتوبر 2017(. ليختم عامه الأول بأخطر وأرعن قرار، لم يتجرأ أي من سابقيه على اتخاذه، ويتعلق الأمر ب"الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل"، والعمل على نقل سفارة بلاده إليها. تسمح جَردة عام من حكم "دونالد ترامب" باستخلاص مجموعة من النتائج، وطرح أكثر من تساؤل عن أفق حكمه خلال السنوات المقبلة المتبقية من الولاية الرئاسية. فأول ما يمكن استنتاجه أن القرارات جاءت في مجملها بعيدة عن روح اشتغال المؤسسات الأمريكية، وقد اعتبرها البعض تعبيرا عن تضخم الرئيس ذاته، أو مؤسسة الرئاسة، على حساب المؤسسات الدستورية الأخرى. كما أعطت القرارات الدليل عن ابتعاد ممارسة الرئيس عن روح المنهج الأمريكي، كما وضع أسسه الآباء، واستمر اعتماده رغم الاختلافات من جاءوا بعدهم. ثم إن ادعاء أمريكا زعامة العالم وقيادته يتطلب وجود جسور توافق مع مكونات العالم، وليس بناء جفاء وعداوات معها. لذلك، يتوقع بعض المحللين للشأن الأمريكي إنهاء "ترامب" ولايته بسلاسة ويُسر، هذا إذا تمكن من إنهاء ولايته أصلا.