دون مفاجآت، عين الملك محمد السادس خمسة وزراء جدد في حكومة سعد الدين العثماني، خلفا للوزراء الذين أقيلوا من مناصبهم بتهمة التقصير في تنزيل مشروع منارة المتوسط في مدينة الحسيمة قبل ثلاثة أشهر. التركيبة «الهجينة» للحكومة المغربية، المشكلة من ستة أحزاب، لم تتغير، لكن حصة الوزراء التقنوقراط فيها ازدادت بدخول وزير الشؤون الإفريقية إلى البيت الحكومي. حالة الانتظار التي كان يعيشها العثماني من أجل ترقيع دربالة حكومته كانت تضعف مشروعيته أكثر مما هي ضعيفة، وهذا ما دفع، ربما، مصالح البرتوكول الملكي إلى وضع جميع أعضاء الحكومة خلف الملك محمد السادس، والتقاط صورة جماعية في القصر الملكي بالبيضاء للوزراء القدامى والجدد.. «الصورة أفضل من ألف كلمة»، يقول الإنجليز. ثلاث ملاحظات يمكن تسطيرها حول حدث أول أمس، دون الدخول في تعقيدات تأخير التعديل الحكومي الأول لفريق أبريل 2017. الملاحظة الأولى أن جبهة التقنوقراط تعززت في الحكومة بدخول محسن الجزولي وسعيد أمزازي «المصبوغ باللون الحركي»، وهذا معناه أن المطلوب في بروفايلات الوزراء شيء واحد، هو «المعرفة التقنية»، أما البروفايل السياسي والرؤية البرنامجية والانتداب الانتخابي والشخصية القوية، والقدرة على الإقناع والتواصل وتحمل المسؤولية… فإنها مواصفات غير مطلوبة في وزير هذه الأيام، بل وغير مرغوبة. تقوية التكنوقراط وسط الحكومة لا تضعف، فقط، صورة الأحزاب في المجتمع، بل تضعف السياسة بما هي اختيار عائد إلى المواطنين وليس فقط إلى الدولة واختياراتها… التكنوقراطي رجل الأجوبة وليس رجل الأسئلة، واستقدامه إلى الوزارة غير مكلف وكذلك التخلص منه. التقنوقراطي لا رأي له، يقول كلاما لا يؤمن به بالضرورة، وهو مقتنع بأنه تابع وليس مستقلا، وأنه جزء من الحاشية وليس وسط المتن. الملاحظة الثانية التي يمكن الخروج بها من حدث الاثنين هي استمرار «الصباغة السياسية» وظيفة للحزب الإداري في المغرب، حيث عمد حزب الحركة الشعبية إلى دلق صباغته فوق رأس سعيد أمزازي، الذي لم يعرف له انتماء سياسي إلى الحركة أو إلى غيرها من الأحزاب، إلى غاية إقالة محمد حصاد من منصبه، والذي مر هو أيضا من تجربة الصباغة السياسية في اللحظات الأخيرة قبل تشكيل حكومة العثماني. هذه البدعة لا تنال من حزب امحند العنصر، الذي لا يهمه في شيء انتقاد الصحافة، أو تهكم الرأي العام عليه وعلى حزبه، بل تنال من فكرة ربط «المسؤولية بالمحاسبة» في مفهومها السياسي والدستوري العام، فكيف سيحاسب الناخب غدا أمزازي أو رفاقه التكنوقراط في الحكومة إذا فشلوا في أداء مهامهم؟ هل سيعاقب الحزب الذي لا تربطه به رابطة، أم سيعاقب الحزب الذي يقود الحكومة، أم ماذا؟ الصباغة السياسية للوزراء ظاهرة تكشف هشاشة التجربة المغربية، واستخفاف أصحاب القرار بذكاء الرأي العام وعموم الشباب، الكتلة الحرجة في المجتمع، والتي من المفروض إغراؤها للاهتمام بالسياسة، لا تنفيرها من المشاركة. الملاحظة الثالثة التي يمكن تسجيلها، على هامش انعقاد ثاني مجلس وزاري في عهد حكومة العثماني، هي خلو جدول عمله من القانون الإطار الخاص بالتعليم، والذي يبدو أنه أبعد عن جدول العمل بسبب الجدل الذي أحدثه بند التخلي عن المجانية في التعليم العمومي، وهذا مرده إلى عدم قدرة الحكومة على الدفاع عن هذا البند غير الشعبي في القانون الإطار، ورمي الكرة في الملعب الملكي، كما فعل العثماني في خطاباته الأخيرة أمام حزبه… عوض القانون الإطار المتعلق بالتعليم، دخل بند آخر إلى جدول عمل المجلس الوزاري، وهو السماح للمرأة المغربية بدخول مهنة العدول، التي كانت حكرا على الرجال لأسباب دينية واجتماعية وثقافية، الملك يحاول استكمال برنامج «التحديث الديني»، الذي اشتغل عليه الملك منذ إقرار مدونة حديثة وعصرية للأسرة قبل 15 سنة، حيث أعطت المرأة حقوقا جوهرية في هذا القانون المحافظ. هذا معناه أن الملك اليوم ابتعد عن جدول السياسة المباشرة، ووضع يده في جدول «الإصلاح الديني» حيث لا ينافسه أحد، وحيث ارتفاع الطلب على العصرنة وسط النخب المحلية وفي الخارج حيث تنظر أوروبا وأمريكا إلى محاولات تحديث الاسلام بعين الرضى. التحديث الديني والاجتماعي مطلوب في مجتمع محافظته تقترب من الجمود لكن التحديث الاجتماعي يذوب بسرعة في مشهد سياسي عتيق ينتج ممارسات تقليدية بائدة.