شكلت وضعية الوزراء المغاربة غير المنتمين للاحزاب في حكومة عبد الاله بن كيران الثانية، محور ندوة نظمت بالرباط، مع انها ليست وضعية مستحدثة ولا ظاهرة، اذ عرفت كل الحكومات المغربية، حزبية او غير حزبية، منذ الاستقلال هذه الوضعية. وقد يكون النقاش حول الوزراء ‘اللامنتمين' في سياق تعيشه النخبة السياسية المغربية دائما، وهو نقاش قضايا لا تثير كثيرا اهتمام المواطن ولا تشكل حدثا استثنائيا يستوجب الوقوف عنده، خاصة بعد مرور وقت على حدوثه. ورغم ان الموضوع مثار نقاش دائم، خاصة منذ حكومة التناوب 1998 التي قادها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، وتواجد ما يعرف بوزارء السيادة او وزراء القصر او التكنوقراط، (الخارجية، الداخلية، الاوقاف، العدل، الدفاع) فإن مواقف المشاركين بندوة المرصد حملت موقفا سياسيا انيا، وقد يكون المعارضون استندوا في مواقفهم الى ما حمله دستور 2011 من اصلاحات، اذ تباينت الآراء بين مؤيد لوجود التكنوقراط داخل الحكومة لطبيعة المرحلة، وبين من يرى في ذلك إعاقة لتطوير الممارسة السياسية، خاص في الشق المتعلق بربط المسؤولية والمحاسبة، لأن استوزار من لا يحملون أي انتماءات سياسية قد يصعّب تطبيقها، في حين أشار الجانب الثاني إلى وجود إمكانيات متعددة لتفعيل نظام المحاسبة في حقهم عبر آليات متعددة يُوّفرها القانون. الندوة نظمها المرصد الوطني لحقوق الناخب بعنوان ‘الديمقراطية التمثيلية والتكنوقراط: تكامل أم تنافس؟' وشارك فيها قادة احزاب مشاركة بالحكومة او معارضة وباحثون الا انها افتقدت جزءا من بريقها بعد غياب كل من المعارضين حميد شباط الامين العام لحزب الاستقلال وادريس لشكر الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وايضا غياب سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الحزب الرئيسي بالحكومة. ودعا خالد الطرابلسي رئيس المرصد في افتتاح الندوة الى حل حكومة عبد الإله بن كيران، وبنائها من جديد وفق قواعد الدستور، ومبادئ الديمقراطية التمثيلية، لخرقها مبادئ الدستور السامية التي تعتبر الشرعية الانتخابية هي أساس التمثيل الديمقراطي' على اعتبار أنها حكومة لا تمثل الناخبين، لاحتوائها على عدد كبير من التكنوقراط الذين لا يتحملون أية مسؤولية أمام المواطنين الذين اختاروا أحزابا لتدبير شؤونهم العامة، وقال نحن في المرصد ندعو بشكل صريح إلى حل هذه الحكومة'. واعتبر الطرابلسي، الذي كان يتحدث في ندوة نظمها المرصد يوم الخميس بالرباط، أن ‘الحكومة في صيغتها الحالية غير دستورية، وغير شرعية، وغير شعبية'، مشددا على أن ‘وجود التكنوقراط في حكومة سياسية هو حالة شاذة، لا يمكن بالمطلق القبول بها، لأنها تكريس للتراجع عن المكتسبات ومعيق للتطور الديمقراطي'. واعتبر المرصد المذكور أن ‘وجود التكنوقراط في الحكومة، إشارة سلبية تحمل أكثر من دلالة، وتعطي أكثر من رسالة تجعل من الفاعل السياسي موضع اتهام خطير أمام العجز الكبير عن إنجاب الأطر، والكفاءات السياسية والاقتصادية لتدبير الشأن العام وقيادة الحكومة ‘إن ما يكرس هذا التردي هو قبول الأحزاب السياسية ودخولها في اللعبة، دون مبالاة بالعواقب والتأثيرات على المسار الديمقراطي، ودون مبالاة بالانعكاسات على حقوق الناخب الذي اختار أحزابا، ولم يختر أشخاصا، واختار برامج ولم يختر طموحات أفراد'. وقال عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن التكنوقراط يفرغون العملية الانتخابية من معناها الحقيقي، مشددا على أن إشراكهم في التدبير الحكومي ‘يلغي العملية السياسية ويحولها إلى هياكل هشة لكون الوزير التكنوقراطي لا يقدم الحساب خلال الانتخابات والتي يقيم على أساسها الناخب المسؤول السياسي'. ويرى خالد الناصري عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية المشارك بالحكومة ان الدستور لا يفرض على الملك تعيين جميع الوزراء من الأحزاب السياسية، وبأن إشراك التكنوقراط في الحكومة قادم من شرعيتين، الأولى تاريخية ودينية ممثلة في المؤسسة الملكية، والثانية تلبس غطاءً ديمقراطيا وان ما يقال حول صعوبة ربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص عمل التكنوقراط أمر لا صحة له، مادام رئيس الحكومة والأحزاب المكونة للأغلبية يتحملون كامل المسؤولية بخصوص عمل الوزراء الذين لا انتماء حزبيا لهم. واعتبر المودن أن وجود وزراء لا منتمين داخل الحكومة أمرٌ لا يساهم في تطوير العملية السياسية، مشدداً على أن المؤسسات الخاضعة للانتخابات لا تُشكل سوى جزء بسيط من صناعة القرار، بينما تمتلك المجالس غير المنتخبة التي وصفها بالدولة العميقة الجزء الأكبر من هذه الصناعة، داعياً إلى الدفع بالنخب الوازنة إلى الدخول إلى الأحزاب، كي يتم تفعيل نظام المحاسبة بشكل دقيق. وشبّه المفكر عبد الإله بلقزيز الدولة الحديثة بالشركة التي تقوم على قاعدة الاتفاق بين متعاقدين يتفقون على تفويض السلطة لجسم إما عن طريق الاقتراع أو عن طريق الكفاءة، مشيراً الى أن الدولة وإن كان جزءٌ منها يُبنى في دائرة الانتخاب، فهناك أجزاء أخرى لا تطالها هذه العملية ومن بينها الجيش والشرطة والتكنوقراط، مستدلا بعدد من الأزمات الحكومية التي تعاقبت ومنها ما أدى إلى إسقاط الحكومات دون أن تتوقف الدولة عن الاستمرارية. ودعا بلقزيز النخب الحزبية إلى الارتقاء إلى درجة قيادة الدولة وعدم الانغلاق داخل الجدران الحزبية، معطياً المثال ببعض الأسماء المغربية التي حققت هذا الرهان من قبيل عبد الله إبراهيم وعبد الرحمن اليوسفي، منادياً في ختام مداخلته بتشجيع الأكفأ داخل الأحزاب والقطع مع الزبونية قصد ردم الهوة بين التكنوقراط والعمل الحزبي. وأوضح إلياس العماري القيادي البارز في حزب الأصالة والمعاصرة أن الأحزاب الدينية التي تجعل من الدين مرجعا لها ليس لديها مشكل للتحالف مع أي كان في فترة عدم توفرها على الأغلبية، وقال ‘الأحزاب ذات المرجعية الدينية في فترة ضعفها، ليس لديها مانع للتحالف مع باقي الأحزاب، ليس فقط مع التكنوقراط، بل يمكنها التحالف مع الأحزاب ذات المرجعية اللادينية الأكثر من علمانية' . القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، وخلال توصيفه لوضعية التكنوقراط في تاريخ المغرب السياسي، قال إنه ‘لن يقدم موقفا من كون قرابة ربع أعضاء الحكومة لا منتمين، لأن الحزب عبر عن موقفه بشكل واضح لحظة تشكيل الحكومة في نسختها الثانية'، مكتفيا بالتأكيد أن ‘إشكالية التكنوقراط لا تطرح على مستوى المغرب، بل على المستوى العالمي' معتبرا أن ‘وجود وزراء بدون لون سياسي في الحكومة لا يحتاج لإجابة دستورية، لأن الدستور واضح'.