دق القضاء المصري آخر مسمار في نعش الثورة المصرية، وأنهى كل أمل في مصالحة سياسة لإخراج البلاد إلى بر الأمان، خاصة مع بداية حديث قادة من الإخوان المسلمين عن تنازلات مستعدون لتقديمها للخروج من النفق المسدود. عندما يصدر قاض 528 حكما بالإعدام في حق المتهمين بعد يومين فقط من انطلاق المحاكمة، فإن الرسالة لا تحتاج إلى من يفتحها.. إنها واضحة. المشير عبد الفتاح السيسي لم يعد يقلد جمال عبد الناصر. إنه الآن على خطى الجنرال الدموي أوغستو بينوشي، الذي أعدم الآلاف في الشيلي بعد أن انقلب على رئيس شرعي اسمه سلفادور أليندي سنة 1973، وبقية القصة معروفة... اتصلت يوم أمس بعدد من المحامين والحقوقيين المصريين للاستفسار عن هذا المهرجان من أحكام الإعدام، فقال لي أحد المحامين: «إن كل ملف من ملفات المتهمين ال528 يضم في المتوسط ثلاثة آلاف صفحة، أي أن عدد صفحات ملفات المتهمين 1.5 مليون صفحة. كيف قرأ القاضي هذا الكم الهائل من الصفحات في يوم واحد قبل أن يصدر حكم الإعدام في اليوم الموالي، ويحيل المحكوم عليهم إلى مفتي الجمهورية؟». لقد صدم العالم بهذا الرقم الجديد الذي سيدخل مصر وقضاءها الفاسد إلى أسوأ صفحات كتاب «غينيس». أمريكا وأوربا والأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش وأمنيستي ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، وعشرات البلدان والجمعيات والحركات نددت بهذا الحكم واعتبرته مقدمة لإبادة جماعية يحضر لها العسكر في مصر قبل أن يتسلم عبد الفتاح السيسي السلطة... ما هو الهدف الأول من وراء أحكام الإعدام هذه؟ الهدف هو دفع حركة الإخوان المسلمين إلى أن تتحول من تيار سياسي إلى مليشيا مسلحة. فالجيش وحلفاؤه وشركاؤه في الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع مازالوا لا يشعرون بالأمان رغم مرور تسعة أشهر على الانقلاب، ورغم وضع دستور جديد وخارطة قيل إنها للمستقبل. إن استمرار خروج الآلاف من أنصار محمد مرسي للاحتجاج على الانقلاب طيلة هذه المدة يخيف المشير السيسي ومن معه، خاصة أن شبان حركة 6 أبريل وتمرد وأطيافا في جبهة الإنقاذ بدأت تستيقظ من سكرة «ثورة 30 يونيو»، وبدأت ترى أن الجيش اختطف هذه الثورة يوم 3 يوليوز، وأنه ذاهب بالبلاد إلى حكم دكتاتوري أسود. إذن، الحل هو دفع الإخوان المسلمين، الذين رفعوا شعار «سلميتنا أقوى من الرصاص»، إلى حمل السلاح، وإلى دخول حرب أهلية ستشكل المبرر من أجل تصفية هذا التيار السياسي الذي صوت الشعب المصري لرمزه محمد مرسي في الدور الأول للانتخابات الرئاسية بحوالي 24%، أي أن الشعب كان أمام خيارات كثيرة (شفيق، عمرو موسى، حمدين صباحي، أبو الفتوح وأيمن نور...)، ومع ذلك صوت بنسبة 24% لمرسي، دون الحديث عن الدور الثاني الذي وقفت فيه قوى يسارية وليبرالية وعلمانية مع مرسي ضد مرشح المؤسسة العسكرية، الفريق أحمد شفيق، هذا معناه أن حكم الإعدام الصادر في حق 528 معتقلا هو حكم بالإعدام على ٪20 من سكان مصر. مؤسف أن تندد أمريكا بمشروع المذبحة الجديدة في مصر، وكذلك الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، فيما الدول العربية تتفرج، ومنها المغرب الذي أيد الانقلاب العسكري يوم 3 يوليوز، وأصدرت الخارجية، عندما كان فيها الدكتور سعد الدين العثماني، بلاغا «مخزيا» يعتبر أن مصر وضعت رجلها بعد الانقلاب على سكة التحول الديمقراطي... تفرجوا الآن على هذه السكة المضرجة بالدماء... كاتب هذه السطور انتقد الإخوان المسلمين مرارا، وكانت وجهة نظري أن ترشيح مرسي للرئاسة كان قرارا خاطئا، وأن هذا الأخير ارتكب أخطاء بلا حصر في السنة الأولى من رئاسته، وأن خبرته في الحكم، كما جماعته، قريبة من الصفر، لكن هذا شيء، ونصب مشنقة كبيرة لمصر الطيبة شيء آخر...