بداية، أعتذر على قلب شعار الأممالمتحدة بمناسبة الاحتفال بالتحرر من العبودية، الذي يصادف 25 مارس من كل سنة، والذي كان شعاره هذه السنة: «أحرار إلى الأبد». هذا القلب غرضه نبيل، وهو تسليط الضوء على نوع آخر من العبودية لا فكاك منه لكثيرين... للعبودية تاريخ طويل، وعمرها من عمر الإنسان، منذ أن وجد البشر على الأرض وبعضهم يستعبد بعضا، بأشكال مختلفة وحيل متعددة وأساليب جهنمية (بالقوة، بالدين، بالسحر، بالحرب...)، لكن الغرب المتقدم وصاحب الرسالة الحضارية والنبيلة إليه وحده يرجع الفضل في تحويل العبودية إلى تجارة، إلى بزنس وبيع وشراء في رؤوس البشر عبر المحيطات. تقديرات الأممالمتحدة تقول إن تجارة الرقيق طالت ما بين 15 و20 مليون إفريقي اصطادهم الرجل الأبيض قبل 400 سنة من قراهم وأكواخهم وحقولهم وأحضان زوجاتهم، وشحنهم مع الحيوانات في البواخر، وباعهم في الأسواق في أوربا وأمريكا للبرجوازية الصناعية الصاعدة، للإنتاج الرخيص في المعامل والمصانع والحقول.... الأممالمتحدة وخبراؤها يقولون إن العبودية مازالت في بعض المناطق من المغرب حتى وإن كانت قليلة ومحدودة، وإن بعض الأسر في الصحراء مازالت تعامل «الحراطين» كعبيد، أي كفئة أقل إنسانية من سيدها الشريف وموضوعة في خدمته، ومن ثم لا تتزوج من داره ولا تضع رأسها برأسه. هذا صحيح، لكن الأممالمتحدة لا تقيس عبودية أخرى موجودة بالمغرب وعموم البلاد المتخلفة، وهي عبودية العقل والنفس والفكر والثقافة، أي ما يسمى بعقلية العبودية التي تجعل من كثيرين متعلمين وأميين، فقراء وأغنياء، سياسيين وغير سياسيين، بدو وحضر، مسلوبي الإرادة بدون استقلالية، وبدون رأي ولا قدرة على التفكير الحر.. بدون لغة للنقد وللاحتجاج ولقول لا، كما قال الشاعر: «ولولا لا التشهد لكانت لاؤهم نعم»... أخبرني سياسي مطلع بأنه قال لزميله مستغربا: «كيف غيرت موقفك ب180 درجة بين عشية وضحاها؟ كنت تقول إن حزب العدالة والتنمية حزب ظلامي سيرجع بالمغرب إلى الوراء، وإن التحالف معه خط أحمر، وإن واجب حزبنا الليبرالي الوطني هو محاربة هذا النوع من الفكر الأصولي القادم من الشرق؟ كيف أصبحت اليوم من أشد المناصرين للدفاع عن التحالف مع «الظلام»، ووضع يدك في يد هؤلاء، رغم أنهم كانوا ومازالوا على مواقفهم ولم يغيروا جلدهم إلى الآن على الأقل؟». هنا وجد السياسي نفسه أمام ساعة الحقيقة، فأجاب برد عفوي قائلا: «أنا مثل المغني الشعبي حميد الزاهر، أي أغنية يطلبها مني الجمهور أؤديها بلا تفكير». العبودية ليست أن تقف على باب سيدك تخدمه بلقمة العيش فقط دون إرادة ولا اختيار.. العبودية أشكال وأنواع، عندما تخشى التعبير عن رأيك فأنت عبد للخوف. عندما تخشى على منصبك من قول الحقيقة فأنت عبد للكرسي. عندما تحسب ألف حساب لرصيدك في البنك إذا ما قلت لا للسلطة فأنت عبد للمال. عندما تبلع لسانك لسنوات طويلة وأنت ترى الظلم والقهر فأنت عبد للشيطان. عندما تجلس على كرسي الوزير وتتصرف كخادم أو موظف فأنت عبد للمنصب. عندما تجلس على كرسي القاضي وتنطق بأحكام التعليمات فأنت عبد. عندما تكتب في الجريدة بقلم السلطة أو بإغراء المال فأنت عبد ولست صحافيا. عندما تعتقل بريئا وتعذب مظلوما فأنت عبد ولست سيدا. عندما تفكر بعقلية الربح والخسارة فأنت عبد ولست حرا... هل عرفتم الآن لماذا قلبنا عنوان الأممالمتحدة أعلاه...