بعدما قدّم برامج ثقافية واجتماعية، عاد الكاتب المغربي الأصل عبد القادر بنعلي (1975) الى شاشات التلفزيون الحكومي الهولندي، ليقدم برنامجاً جديداً بعنوان «مطعم بنعلي: المغرب في ستة أطباق»، عُرض خلال شهر رمضان على الشاشة الثانية للتلفزيون الحكومي الهولندي. يفرد البرنامج في كل حلقة اهتماماً بقصة طبق مغربي شهير، لكنه وقبل أن يصل الى ذلك الطبق، يقوم المقدّم بجولات واسعة في مدن مغربية مزدحمة، وأحياناً في صَحَارٍ شاسعة، وينقّب في التاريخ المجهول للمناطق التي يزورها. لكنّ بنعلي لن يكون وحده في هذه الرحلة، بل سترافقه زوجته الهولندية من أصول مغربية وطفلته التي لم تتعدّ العام الواحد في الرحلة. وسيكون للزوجة البعيدة من العمل الإعلامي دوراً متوسطاً في أهميته في التعليق والمشاركة في البرنامج، فيما تبدو العائلة وهي تتنقل في المغرب في سيارة «مرسيديس» قديمة، وكأنها تريد أن تعود في الزمن، عندما كان المغاربة الذين يعيشون في هولندا، يقطعون آلاف الأميال سنوياً بسياراتهم لزيارة بلدهم كل صيف. تحمل الحلقة الأولى من البرنامج عنوان «أرغان: الذهب السائل»، وتحقق فيها في أشجار الأرغان التي تغطي مساحات واسعة من المغرب، ومنها يستخلص زيت الأرغان المتعدد الفوائد. تذهب العائلة الى إحدى المناطق التي تنتشر فيها هذه الأشجار، وتقابل استاذة جامعية متخصصة في هذه الأشجار الشديدة الأهمية للبيئة المغربية، والتي تشهد مثل العديد من الغابات والمساحات الخضراء في البلد، انحساراً أمام زحف الكونكريت الذي يقضم كل عام جزءاً جديداً من الطبيعية الآخاذة. تقوم السيدة نفسها، من خلال الجمعية التي أسستها، بتعليم نساء ريفيات القراءة والكتابة، وإشراكهن في عملية إنتاج زيت الأرغان عبر مؤسسة تهدف الى تحقيق اكتفاء اقتصادي ما للنساء الريفيات. ومن الطبيعة المفتوحة البكر في الحلقة الأولى، ستتجه الحلقة الثانية الى قلب مدينة الرباط المزدحم، لتسليط الضوء على أكلة «الحريرية» وبهارات رأس الحانوت المغربية الشهيرة. يصحب بنعلي زوجته (سعيدة) الى الوجهة البحرية للمدينة، التي يعرف الكثير عن تاريخها، اذ جمعت المدينة عبر التاريخ جنسيات متعددة، ومنهم قراصنة أوروربيون حملوا معهم ثقافاتهم الى البلد. فحساء الحريرية الشهير، والذي يعد أحد لوازم وجبات الإفطار عند المغاربة، هو في الأصل وصفة لقراصنة بحار كانوا يصلون إلى الساحل المغربي بين الحين والآخر. يغلب النفس الأدبي على البرنامج، فالمقدم التلفزيوني والكاتب الروائي يرى العالم دائماً عبر منظار الأدب، لذلك نراه يمزج تعليقاته بلغة نثرية جميلة وملائمة لإيقاع برنامج يريد أن يختلف عن برامج السفر التلفزيونية الشائعة. ويتجنب البرنامج الصور المعروفة عن المغرب، ويبحث عميقاً عن نماذج إنسانية مختلفة. يذهب مثلاً الى منطقة نائية ليقابل صاحب أول فندق يعتمد على الطاقة المستدامة في المغرب، ويقابل في الرباط أميركياً اختار مع عائلته المغرب كمكان للسكن، وليبدأ من هناك مزرعة تعتمد على طرق ري قديمة. ويرافق البرنامج نساء مغربيات يطبخن الأكل لمهاجرين أفارقة فقراء، ينتظرون الفرصة لعبور الأطلسي الى أوروبا. وانسجاماً مع محاولات البرنامج التجديد على صعيد المعالجات والمقاربات لفقراته، يبتكر هذه المرّة في مشهدياته، اذ يستخدم ما يبدو طائرات صغيرة توجه من بعد لتصوير مشاهد رائعة من الجو. وهو أسلوب بدأ يشيع كثيراً في التلفزيونات الغربية، وبخاصة البرامج التسجيلية بغية كسر جمود التصوير التقليدي، فيتبدى جمال المغرب الساحر، في المشاهد التي تصور المناطق الصحراوية والجبلية. بل إنّ الابتكار يكمن في المشاهد التي تُصوّر أيضاً في الأسواق الشعبية الضيقة المزدحمة في مدينة الرباط. وهذا ما يجعل القارئ قادراً على الاستمتاع باكتشاف مكان ساحر عبر صوره المختلفة إلى حدّ التناقض. * المصدر: الحياة