مع اقتراب موعد التشريعيات المغربية، يتصاعد النقاش حول القوانين الإنتخابية عموما، إلا أن المسألة الأكثر جدلا في مغرب ما قبل تشريعيات 7 أكتوبر القادمة هي الإمتياز الايجابي الذي مُنح للنساء منذ 14 عاما وللشباب منذ عام 2011 بتخصيص مقاعد للنساء والشباب (اللائحة الوطنية للنساء) أو ما أطلق عليه مغربيا ب "الكوطا"، وهو إجراء يُساعد على حضور أوسع للمرأة وللشباب تحت قبة البرلمان. جاءت خلفية الجدل من أن أوساطا عديدة اعتبرت، فيما بعدُ، هذا الإمتياز "ريعا سياسيا" لم يحقق الهدف الذي وُجد من أجله، خاصة فيما يتعلق بالنساء.. وجعل "النساء" البرلمانيات يُدافعن عنه لأنه يحقق لهن مصالح شخصية، بعد أن سعين إلى إدخال تعديلات على القانون المنظم للإنتخابات من أجل السماح للبرلمانية الفائزة على اللائحة الوطنية بالترشيح مرة أخرى، فيما يُحدد القانون هذا الإمتياز بدورة برلمانية وحيدة، مع تشجيعهن على الترشح في الدوائر الإنتخابية العادية. في الواقع، فتح إصرار "البرلمانيات" الفائزات في انتخابات عام 2011 على العودة إلى البرلمان عبر اللائحة الوطنية أعين أوساط سياسية وقوى في المجتمع المدني على وجود "خلل ما" في اللائحة وإلى حدوث "إنحراف" عن أهدافها على طريق المناصفة التي أوصى بها الدستور التي تمت المصادقة عليه في صيف عام 2011. تقييمات متباينة في السياق، تقول زهور الشقافي، الأمينة العامة لحزب المجتمع الديمقراطي، وهي برلمانية سابقة إن "الكوتا" ريع سياسي ومن يطلبها من النساء والسياسيات هن متسولات سياسيات، وعزت ذلك إلى آلية "الكوتا" حيث أصبحت الأحزاب برأيها متسولة سياسيا، وأفرزت ما أسمته "برلمان الأسرة"، كما لم تعد لها أي دلالة، بل أفرغت من محتواها الأصلي الذي أسست من أجله في الديمقراطيات الحقيقية. وأضافت الشقاقي في تصريحات ل swissinfo.ch أن "المشكلة الآن في الأحزاب التي أعجبتها اللعبة في إطار تقاسم 90 مقعد مجاني التي تتيحها تقنية "الكوتا" دون تعب أو مجهود وتعتقد أن العملية ليست بيد الدولة أو القانون لنمنح المناصفة. بل في يد الحزب الذي يجب عليه اعتماد فكرة المناصفة ودعم حضور المرأة حين يقدم اللوائح بمرشحين، المناصفة هي كفكرة الديمقراطية ليست سلعة نستهلكها بل ممارسة وسلوك نتبعه في مدارسنا ومؤسساتنا وفي الشارع ومن تم تصل للأحزاب والحكومات. فتيحة البقالي من قيادات حزب الإستقلال عبّرت عن رأي مخالف، وقالت ل swissinfo.ch: "إن المجتمع العربي لا يزال يتعامل مع المرأة ككائن لا يرقى لمستوى تمثيليته السياسية. وفي العقود الأخيرة – وبفضل النضالات النسائية المغربية التي انطلقت منذ السبعينات – أصبح المجتمع المغربي تدريجيا يقبل بتمثيلية المرأة داخل المؤسسات، ولكن بكل أسف ظلت النسبة ضئيلة من حوالي 0.4 إلى 9.78 في أول تجربة للائحة الوطنية وهي التجربة التي كان المغرب سباقا إليها". البقالي تعتبر أيضا أن "الكوتا" آلية مرحلية ليس من السهل التخلي عنها حيث "لازلنا نخضع لمجتمعات بعقليات ذكورية، ولأن الإنتخابات تحتاج ميزانيات مهمة، فعلى الدولة – إن كان لها إرادة حقيقية بأن يكون للنساء تمثيلية على المستوى القاعدي والمحلي – أن يكون تقديم الدعم مباشرة للنساء وليس مُوجّها للأحزاب، لأن هناك مقاومة شرسة للمرأة، ونحن نتحدث عن المناصفة التي تعد من التزامات المغرب ونحن لم نصل بعد للثلث"، ملاحظة ان لائحة الشباب هي لائحة للذكور "فهل الشباب هم ذكور فقط أليست هناك شابات نساء فهذا تمييز وهناك شبان ذكور قالوا بسخرية للشابات هيا اذهبن للائحة النساء". فتيحة البقالي أقرت بهيمنة "الريع" على اللائحة الوطنية، وبأنه يتم أحيانا تنصيب نساء ليس لهن علاقة بالسياسة ولا بالنضال وبقضايا المجتمع أو بالقضية النسائية، إلا أنها تظل مؤيدة للكوتا "كمرحلة انتقالية، ففي غيابها لا يُمكن للمجتمع أن يسمح للمرأة بالفوز وقد جربنا هذا. فهناك وزيرات وفشلن في الإنتخابات في دوائرهن مثل بسيمة الحقاوي وزيرة المرأة وأخريات كثر. وفي بعض الحالات فازت لأن واحدة ساعدها أخوها". بين "رفض الريع" والطابع "المؤقت" بالنسبة للائحة الوطنية للشباب يؤكد محمد الخمليشي، وهو نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي بالحكومة المغربية أنه "مع الكوتا لكن بتحفظ"، وقال: "إن ما يُرفع في وجه هذه الآلية من إنتقادات وسلبيات لا يرجع إلى الآلية بحد ذاتها وإنما إلى تحريف في القصد منها وفساد في الممارسة، لكن هناك أحزاب تحترم نفسها لديها حراك داخلي ولديها آليات للتنشئة السياسية ولديها القدرة على إعطاء نخب سياسية قادرة على أن تكون في مستوى الترشيح لأي مسؤولية عمومية لأن الكوتا فرصة لتجاوز بعض العوائق السياسية أو الثقافية أو الإنتخابية أمام الشباب لولوج المجال العام من موقع المسؤولية"، على حد قوله. وفي تصريحات ل swissinfo.ch، اعتبر الخمليشي أن الكوتا "آلية مؤقتة"، وأضاف "أشدد على كلمة مؤقتة، وقد استحسنت ما قام به المشرع من تحديد للترشيح عبر لائحة الشباب جعلها مرة واحدة غير قابلة للتجديد حتى تعطي الفرصة للمزيد من الشباب الكفء. لكن على أن لا تتحول إلى ريع أو امتياز". الخمليشي وصف المساعي الرامية إلى إلغاء اللائحة الوطنية للشباب بأنها "غير مفهومة ولا تجد ما يبررها في الواقع لأنها (أي الكوتا) أفرزت برلمانيين شبان في مستوى كبير من القدرة على مواكبة العمل التشريعي والبرلماني. فهناك رموز برلمانية شابة مارست العمل البرلماني بكل احترام وهناك نماذج من كل الأحزاب السياسية". من جانبه، عبّر حميد هيمة، عضو اللجنة المركزية لحركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية، وهي المنظمة الشبابية للحزب الإشتراكي الموحد (يسار معارض) عن رفض حزبه للكوتا بالنسبة للنساء أو الشباب، وقال: "إن موقف الحركات الشبيبية لليسار، الرافض للكوتا لأنها ترى فيها ترسيخ أعراف الإستجداء السياسي الذي سلكته الشبيبات "البرلمانية"، في تحالف غريب بين الأغلبية والمعارضة، من أجل استمرار السلطة في تخصيص كوتا وطنية للشباب المغربي في الغرفة الأولى من البرلمان". هيمة ذهب إلى أن هذا الموقف عبّر عنه شباب المغرب، في حراك 20 فبراير 2011، الذي أتى في سياق بدايات الربيع العربي، من خلال الرفض القاطع لكل أشكال الريع السياسي والإنتخابي الذي يسعى النظام لترسيخه و إعادة إنتاجه حتى يُصبح مقبولا سياسيا. وقال هيمة ل swissinfo.ch: "إن مأزق الدولة هي اجتياح أعيان الإنتخابات، ومعظمهم ينحدر مستواه التعليمي إلى الأمية، وبالتالي، فالهدف هو "إنجاح" نخب شبيبية متعلمة لإعطاء المؤسسة التشريعية المعنى الذي تفتقره كما أن السياق "الإستثنائي" الذي فرض على الدولة هذه الكوتا، ارتبط بقيادة الشباب لأكبر حركة اجتماعية في تاريخ المغرب فالهدف كان هو "إرشاء" نخب شبيبية ودمجها في السياق العام لبلد ما يزال يُراكم الفشل في شأن بناء الديموقراطية"، على حد قوله. عضو اللجنة المركزية لحركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية أضاف أن "دعاوي التأييد للكوتا الشبيبية في البرلمان بذريعة "تقوية" المشاركة السياسية للشباب غير متماسكة، ذلك أن الشباب المغربي، كما أثبتت تجربة 20 فبراير، عازف عن العرض السياسي المطروح الذي تنتجه الأحزاب غير المستقلة في علاقته بالدولة، وطرح كبديل عن ذلك دفتر تحملات سياسي يقوم على : إسقاط الفساد والإستبداد هنا والآن". أخيرا، دعا هيمة الشباب إلى "التفويت في لوائح الأحزاب إلى الأعيان، والتقدم للفوز بعيدا عن أي ريع انتخابي حتى نتمكن من إعطاء السياسة معنى التطوع في خدمة الشأن العمومي"، مؤكدا أن "الإشراك الفعلي للشباب في الإنتخابات والشأن السياسي مرتبط بالإصلاحات السياسية الهيكيلة والكفيلة بتبني المغرب فعليا للديمقراطية بمعاييرها الكونية"، حسب رأيه. "إيجابية عموما ولكن.." في خضم هذه الآراء المتباينة، يقول عمر الشرقاوين وهو باحث ومحلل سياسي: "إن الكوتا كتدبير سياسي ليس خصوصية مغربية صرفة بل هي آلية معمول بها في الكثير من الأنظمة السياسية في العالم، والممارسات الفضلى في العمل السياسي مرتبطة بالنساء، وقد انقتح المغرب بعد الربيع العربي على الشباب أكثر من خلال اللائحة الوطنية الخاصة بالشباب ب 30 شابا، وبالنظر للملاحظات والإنتقادات، فإن المشكلة ليست في الآليات الدستورية التي تتوخى تمثيل النساء والشباب، بل إن المشكلة تتمثل في الثقافة السياسية التي تستعمل هذه الآليات الدستورية لتحقيق مجموعة من المكاسب السياسية". الشرقاوي أوضح ل swissinfo.ch أيضا أن "السياسة لدى الطبقة السياسية المغربية لازالت تقوم على الولاءات الشخصية وعلى نسبة ضئيلة من الكفاءة، لذلك تم توظيف هذه الآليات الدستورية في أغراض غير شفافة وغير نزيهة. والعيب ليس في الآلية لكن في توظيفها حيث أن المحكمة الدستورية حين فكرت في قرار الكوتا قالت جملة مهمة وهي أن هذه الكوتا هي (إجراء مرحلي يهدف إلى ضمان مشاركة الشباب والنساء)، ومنحت البرلمان مسؤولية تحديد وقت إنتهاء المرحلة". الباحث المغربي لفت أيضا إلى أن من سمات السياسة في المغرب أنها ما تزال ذات طابع ذكوري وهو ما انتبهت إليه المحكمة الدستورية حين قالت إن هذه الكوتا مرحلية وعلى الحكومة أن تبحث في الإجراءات التي من شأنها ضمان مشاركة النساء بعيدا عن الكوتا. يبقى أن الأمر مرتبط بالثقافة السياسية السائدة، حيث لازال هناك تمثل للمرأة على أنها ليست أهلا بتدبير الشأن العام رغم أن الدستور ينص على المساواة التامة وتكافؤ الفرص والمناصفة، وكلها قيم دستورية حاضرة لكن النصوص لا تُصلح النفوس، فالنص جيّد لكن التطبيق لازال مرتهنا بطبيعة الثقافة السياسية الذكورية والأبوية السائدة في المغرب، وهذا دور الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والدولة. يعتقد الشرقاوي أن حصيلة تجربة الكوتا "إيجابية عموما لكنها لا ترقى للأهداف التي وُضعت من أجلها. فعدد كبير من الشباب في اللائحة بصموا العمل التشريعي خلال هذه الولاية وكان حضورهم لافتا، لكن التجربة الأولى لا يُمكن القياس عليها، خصوصا حين ثار الجدل حول تقاعد البرلمانيين الشبان الذي حوّر النقاش و أثّر بشكل سلبي على صورة الشاب في التمثيلية السياسية، فأصبح هناك توجّه نحو إلغاء تقاعد البرلمانيين الشبان بسبب أنه من غير المعقول أن يحصل برلماني شاب في سن الثلاثين على تقاعد مدى الحياة". أما بالنسبة للائحة النساء، فيرى الشرقاوي أنها "لعبت دورا كبيرا حيث تميّزت فترتها بميلاد العديد من القوانين ذات الطابع النسائي، كقانون العنف ضد النساء وقانون مجلس الأسرة والطفولة ومشروع هيئة المناصفة ومشروع مكافحة التحرش الجنسي وهي قوانين حضرت فيها بشكل بارز بصمة المرأة"، حسب تأكيده. كل هذه الآراء كانت حاضرة أثناء مناقشات مجلس النواب المغربي لمشروع القانون الإنتخابي، مرفوقة بنشطات وتحركات للمنظمات النسائية وجولات لمسؤولي المنظمات الشبابية للأحزاب المغربية على قادة الأحزاب السياسية لإقناعهم بدعم مواقفهم الداعية إلى الابقاء على وضعية اللائحة الوطنية (نساء وشباب)، لكن مجلس النواب لم يحسم حتى الآن الموقف، وأمامه أسابيعُ معدودة للقيام بهذا الحسم إلا اذا قرر تمديد دورته التشريعية الأخيرة، أو اتجه لعقد دورة استثنائية بعد عيد الفطر وقبل بدء العملية الإنتخابية المرتقبة. * المصدر: سويس آنفو