طبعا الكل تابع عن كثب الانتخابات المحلية التي شهدتها كل من فرنسا و تركيا وما حملت معها من عظاتٍ ودروس في ممارسة الديمقراطية الحقة ومدى درجة وعي المواطنين في معاقبة المنتخبين. ولعل المتتبع لهذا المشهد سيقف مشدوها ومبهورا عاجزا عن توصيفه فكل الألسن تعجز عن النطق والتعبير عن هذه الديمقراطية التي بلغت أوجها فكراً وممارسةً. وما شدني و بقوة في هذه الملحمة الانتخابية الشرخ والبون الشاسع بيننا و بينهم. فبمجرد اعلان النتائج بفرنسا وخسارة الحزب الحاكم سارع هذا الاخير مهرولا للاعتراف بهزيمته وستقالت الحكومة ليعلن الرئيس الفرنسي عن اعادة تشكيل حكومة كفاح ، فهذه الانتخابات ليست مجرد استحقاقات و خوض غمار تدبير الشأن المحلي وانما عبارة عن ترمومتر لقياس شعبية الحزب الحاكم، وهنا نحن على نقيضين في المشهد الفرنسي و التركي، الأول عرف انخفاضا في مستوى منسوب شعبيته ، اما الثاني بالرغم من الارتدادات والهزات المحاكة ضده والتي اعتبر الكثيرون انها اصبته بوهن وضعف إلا أن مستوى منسوب شعبيته عرف ارتفاعا ورقيا. والغريب في الامر وبعدما انفضت الانتخابات لم نسمع أي تجريح وتراشق بالالفاض بين المنهزم والرابح، فكل العبارات المشحونة باستعارات التزوير والغش غير حاضرة ولا مكان لها في هذا المشهد. بكل بساطة هكذا انتهي المشهد دون ضجيج ولا عجيج وكثرة القيل والقال. ولكن ليست تلك البساطة المتصورة في الأذهان فالمشهد مليء بجملة من الدلالات والمواعظ، ويحتاج الى كثير تأمل ووقفة عميقة مع الذات. فهو عبرة ودرس في ممارسة السياسة الخالية من الأذران والمثالب. حكامة في صناعة وإدارة الانتخابات ووعي لدى المواطنين بمكانة الانتخابات فهي فرصة بالنسبة اليهم للقصاص من من وضعوا ثقتهم فيهم ولم يوفوا بعهدهم وهذا ما نستشفه بالنسبة للحزب الاشتراكي بفرنسا اذ أن الاداء الحكومي الردئ انعكس على نتيجة الانتخابات المحلية، ومنه نستنتج الخيط الرابط بين ماهو وطني ومحلي والعكس بالعكس. ولنعد للوطن الحبيب بعد هذه الجولة القصيرة في سماء فرنساوتركيا، لنحلق في سماءه ونرصد المشهد السياسي بكل تجلياته ونتساءل ونحن على مشارف الانتخابات المحلية وفي ظل دستور جديد يدعو لتكريس الشفافية و النزاهة، هل آن الآوان لتكسير الرتابة التي يعرفها المشهد الانتخابي ببلادنا؟ وهل حان الوقت لمحاكاة التجربة الانتخابية الفرنسية بعدما استقينا منها مجموعة من المقتضيات؟ وهل سيحافظ حزب العدالة والتنمية بزعامة السيد بنكيران على شعبيته ويتربع على النتائج المحلية كنظيره حزب العدالة والتنمية التركي..؟ الجواب على هذه الاسئلة و اسئلة اخرى ستجيبونا عليها الايام القادمة ، وكما قال طرفة بن العبد: ستبدى لك الايام ما كنت جاهلا ويأتيك بالاخبار من لم تزود. وفي الأخير لا يسعفنا إلا أن نقول أن هاتين التجربتين عبرة لرجال السياسة المغربية لمن اراد أن يعتبر ويستخلص الدروس و كذلك فرصة للانعتاق من ربقة رتابة المشهد السياسي والمشهد الانتخابي.