ترك الخطاب الذي ألقاه عاهل المغرب الملك محمد السادس في افتتاح القمة الخليجية- المغربية، انطباعات مهمة ليس فقط لدى قادة دول مجلس التعاون الخليجي، المستضيفين هذه الخطوة والمبادرين إليها، بل كذلك لدى الشعب المغربي، الذي رحبت غالبيته بهذا التقارب الذي يفوق بكثير أشكال التعاون والشراكة الاقتصادية البحتة ليصل إلى حدود الاستراتيجية الموحدة على كل الصعد، السياسية والأمنية والاقتصادية. وهذا يبشر للمرة الأولى بتكامل جدي على الصعيدين العربي والإسلامي ويبني جسراً لا تمكن الاستهانة بانعكاساته مستقبلاً بين المشرق العربي ومغربه، بانتظار أن تحدث تطورات إيجابية في المغرب العربي توسع دائرة التكامل المنشودة التي تدرك السعودية خصوصاً أهميتها وأبعادها في هذه المرحلة وتعمل على أساسها في شكل سريع انسجاماً مع طبيعة ما يمكن أن يحدث من احتمالات ومفاجآت وخطورته. تطرق العاهل المغربي إلى «مأسسة» العلاقات بين بلده وبلدان مجلس التعاون الخليجي، وذلك خلال مداخلته التي جاءت منسجمةً إلى حد كبير مع تلك التي ركز على مضامينها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لناحية الاستراتيجية القائمة من الآن فصاعداً على تنويع الشراكات مع التكتلات الاقتصادية العالمية والدول الكبرى. وهذا يُعتبَر في نظر المختصين بأوضاع العالم العربي والإسلامي بمثابة نقلة نوعية ستتحقق في المستقبل القريب. فالصراحة التي اتسم بها الملك محمد السادس أراحت الحاضرين، خصوصاً لفتات الوفاء للأشقاء في مجلس التعاون الخليجي الذين دعموا المغرب واقتصاده في أصعب الظروف، وساهموا ويساهمون في تعزيز الاستقرار الذي تشهده المملكة حالياً في وقت تمر دول الجوار المغاربي بأخطار أمنية وصعوبات اقتصادية. أراد العاهل المغربي إيصال رسالة شعبه، وشدد على التطور الاقتصادي الذي جنب المملكة المغربية تبعات ما سمّاه «الربيع العربي المؤلم» على المستويين الأمني والاجتماعي في صورة خاصة. فالحديث عن الدور الخليجي المتقدم عبر زيادة الاستثمارات مباشرة في قطاعات أساسية، كالطاقات المتجددة والمشاريع التنموية والودائع المصرفية التي ساهمت في دعم النمو الاقتصادي فحافظ على نسبة مقبولة، في وقت تتراجع غالبية مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلدان المغاربية الأخرى. المهم أيضاً في خطاب ملك المغرب، مصارحته أشقاءه بضرورة الانتقال من مرحلة الشراكة الاقتصادية التقليدية إلى رسم ملامح استراتيجية موحدة تحفظ لكل الأطراف الأمن والاستقرار وترفع مستوى معيشة المواطنين وتردع الأخطار التي يمكن أن تهدد أي طرف أياً كان حجمها أو مصدرها. وأشار، من ضمن هذه الاستراتيجية المنشودة، إلى ضرورة الالتفات إلى القوى العالمية الصاعدة، كروسيا التي زارها أخيراً، والصين التي يعدّ لزيارتها قريباً، والاختراق الكبير الذي حققه المغرب في القارة الأفريقية، والذي يريد وفق المستشارين المقربين منه، إشراك دول مجلس التعاون فيه، كون القارة السوداء باتت تشكل خزاناً مهماً من الثروات غير المستغلة التي يجب التركيز عليها من ضمن استراتيجية تنويع الشراكات. يستنتج المراقبون الأكثر اطلاعاً على طبيعة العلاقات بين الجانبين، أن هذا الاجتماع غير التقليدي سجّل منعطفاً في تاريخ العلاقات من خلال الانتقال من العلاقات الثنائية إلى صيغة «مأسستها» متجاوزاً كل توصيفات الشراكة التي كانت تتسم بها في الماضي القريب والقائمة على الاقتصاد في شكل عام وعلى السياسة في شكل أقل. ومن النقاط البارزة في هذه القمة التي تدل على التفاهم المسبق في شأن الأساسيات طلب ملك المغرب دعم أشقائه قادة دول المجلس لقضية «مغربية الصحراء»، مذكراً بالدور التاريخي الذي قامت به السعودية وأشقاؤها من خلال مساندة المغرب، خصوصاً في «المسيرة الخضراء» التي سمحت للمملكة باستعادة أجزاء واسعة من ترابها الوطني، إضافة إلى مساعدتها اليوم في تنفيذ مشاريع عملاقة في المناطق الجنوبية من الصحراء من خلال الاستثمارات الضخمة لشركاتها المتخصصة والمقدرة ببلايين الدولارات. جاء البيان الختامي للقمة الخليجية – المغربية ليشدّد على بناء الاستراتيجية الموحدة التي تشمل كل المجالات والمتوقع أن يشهد العالم العربي والإسلامي نتائجها في وقت قريب. أما في ما يتعلق بالسؤال الدائم حول دعوة مجلس التعاون السابقة لكل من المغرب والأردن للانضمام إليه، والتي تأخرت الإجابة عليها لاعتبارات تتعلق بالتحضير لها وضمان الوقت اللازم لإنجاح خطوة استراتيجية كهذه، لا بد أن تفتح القمة الأبواب مجدداً لمحاولة إيجاد صيغة ما. ذلك لأن هذا الانضمام يأتي في صلب الاستراتيجية الموحدة المطلوب وضع أسسها اليوم أكثر من أي وقت مضى. * مدير مؤسسة «ساغا» للاستشارات الاقتصادية – باريس المصدر: الحياة