تخليدا لليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف يوم 3 ماي، نظم مسلك الإجازة المهنية في الصحافة المكتوبة، بجامعة السلطان مولاي سليمان بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بني ملال، وبشراكة مع مركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية "مدى"، الندوة الوطنية الثالثة تحت شعار: الإعلام والجهوية المتقدمة: أي موقع للإعلام في التدبير الجهوي؟ وتميزت الندوة التي توزعت جلساتها يومي 5 و6 ماي، بحضور وازن لأسماء معروفة على الصعيد الوطني، من أساتذة باحثين وحقوقيين وصحفيين، حاولوا تشخيص العلل والإكراهات التي أقعدت الجسم الصحفي والإعلامي بالبلد، وجعلته عاجزا عن أداء وظائفه، خصوصا الإعلام الجهوي الذي تواجهه مجموعة من الإشكاليات والاختلالات، والتي تطرح بحدة مكانته ومساهمته في التدبير الجهوي وفي ورش الجهوية المتقدمة. ففي الوقت الذي حاول فيه ثلة من أساتذة القانون، استحضار الهامش الذي تتيحه النصوص القانونية ودستور 2011 للإعلام، تطرق أخرون للتقييدات والإكراهات التي تواجه الصحافة الجهوية. واعتبر "نور الدين مفتاح" رئيس الفدرالية الوطنية لناشري الصحف ومدير جريدة الأيام، أن الصحافة الورقية تعيش أزمة خانقة أدت لغلق مجموعة من الصحف الورقية لأسباب عدة، أبرزها تناقص مداخيل الإعلانات، التي انتقلت من رقم معاملات يمثل 22% قبل سنتين إلى ما يقارب 16% حاليا، مع العلم أن هذه الإعلانات تشكل 80% من مداخيل الصحف، ويرجع السبب في ذلك لاحتكار القنوات التلفزية لأغلب الإعلانات، هذا بالإضافة للتحديات التي تفرضها الصحافة الإلكترونية، والقراءة المجانية المنتشرة في المقاهي. ولأن للإعلام أهمية ودور كبير داخل المجتمع، إعتبر الأستاذ "أحمد البوز" أن ممارسة الصحافة تتطلب وجود ديمقراطية وحياة سياسية سليمة وهامشا من الحرية، تحرر الصحافي من قيود الخوف والرقابة الذاتية التي اعتبرها قاتلة للصحافة. أما الأستاذ "البشير المتاقي" فقد حاول مقاربة الإعلام الجهوي من زاوية الحكامة والتنمية الترابية، مشيرا إلى الأهمية التي يكتسيها الإعلام الجهوي، والذي بدونه ما كنا لنعلم ونكتشف معاناة سكان "أنفكو"، كما أوضح أنه كلما ابتعدنا عن 2011 ابتعدنا عن جوهر وروح الدستور الجديد. وفي نفس السياق أشار الأستاذ "محمد المجني"، على أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في سن وتشريع النصوص القانونية، بل في تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع، ولم يتوانى أيضا عن إعطاء بعض التوصيات، التي يمكنها أن تخرج الإعلام الجهوي من المشاكل التي يتخبط فيها، كمنح قروض لإنشاء مقاولات صحفية. فيما ركز مجموعة من الحقوقيين على رصد التضييق الذي تتعرض له الصحافة والإعلام، وفي هذا الصدد تحدث "محمد العوني" رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، على أنه لا يمكن الحديث عن إعلام لا يتمتع بحرية واستقلالية تتجاوز الفكر النكوصي، وتتجاوز أيضا إشكالية عدم وجود إعلام متكامل، قادر على أداء رسالته المتمثلة في الإخبار وإيصال المعلومة بحيادية. وتطرق الأستاذ "إدريس فخور" للحق في الحصول على المعلومة بين الطرح الدستوري والتفعيل الجهوي، خصوصا وأن الواقع يناقض ما جاء في الفصل 27 من الدستور، الذي تطبعه العديد من الاستثناءات، التي يمكن تأويلها بما يمنع الصحافي وأفراد المجتمع من الاستفادة من هذا الحق، مما يجعل الإدارة غير مجبرة في كثير من الأحيان بإعطاء وتوفير المعلومات. وفي مداخلته تطرق "علال البصراوي" رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملالخنيفرة، لدور الإعلام في قضايا التنمية مستعرضا التناقضات التي تعرفها الجهة، من حيث كونها تتوفر على موارد وثروات مهمة، وفي المقابل تعرف انتشار الفقر والهشاشة إذ أنها لا تستفيد من هذه الموارد، ليخلص لطرح إشكالية اعتبرها من مسؤوليات الإعلام الجهوي، الذي يجب عليه أن يقوم بدوره لحلحلة هذه الوضعية. وبما أن الندوة عرس صحفي بإمتياز، فقد تميزت بمشاركة صحافيين قاموا بعرض تجربتهم الشخصية في مهنة المتاعب، وفي هذا السياق تناول "عبد الرحيم أريري" الصحافي ومدير نشر جريدة "الوطن الآن" تجربته في التعامل مع الإدارة والمعلومة، والتي قارن من خلالها بين المؤسسات والإدارات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي توفر المعلومات حتى للصحفيين الأجانب، بينها في المغرب يتم تقييد هذا الحق وحرمان الصحافي من الوصول للمعلومة بدوافع وحجج واهية. وفي مداخلته شدد الصحافي "عبدالصمد بن شريف،" على أن من يمتلك المعلومة هو من يمتلك السلطة، ومن هنا تكمن أهمية الإعلام الجهوي الذي اعتبره ضامنا للتوازنات، فالجهة ليست تسيير وبنية تحتية فقط، بل هي أيضا إشراك للمواطن من خلال توفير المعلومة له. وفي نفس السياق جاءت مداخلة "محمد الجحام" مدير جريدة ملفات تادلة، الذي عرض تجربة زاخرة بالنضال، توجت بخلق جريدة جهوية معتمدة من طرف الأممالمتحدة، والتي يمكنها رغم الاكراهات المساهمة في إشراك المواطن في تدبير الشأن الجهوي. وجدير بالذكر أن الندوة خرجت بمجموعة من التوصيات، من شأنها رفع التحدي أمام الصحافة والإعلام للمشاركة بفاعلية في التدبير الجهوي، الذي يبدو مسيروا الشأن المحلي والجهوي مغيبين عنه، رغم الأهمية التي تكتسيها مثل هذه الندوات في بناء جهوية متقدمة وفعالة.