لا ديمقراطية الا بأحزاب قوية .. ولا احزاب قوية الا بقرار حزبي مستقل .. ولا قرارحزبي مستقل الا بديموقراطية داخلية حقيقية بحيث يخرج القرار الحزبي بالتداول الحر والمسؤول وتخرج فيه القيادات الحزبية من صناديق الاقتراع لا من خلال " تعليمات "، او من خلال حشوها بالأوراق المزورة والمؤتمرات بالمناضلين المزورين !! الأحزاب الحقيقية القوية لا تكون كذلك الا اذا كانت ديمقراطية ومستقلة، وهي وحدها التي بامكانها ان تعيد الاعتبار للسياسة والثقة للمواطنين في المؤسسات المنتخبة، ومن ثم تكون فاعلا أساسيا في إثراء الساحة السياسية بالافكار والكفاءات التي منها يتكون رجال الدولة، ومن خلالها يحتدم النقاش بين المشاريع والرؤى والأفكار، كل ذلك بطبيعة الحال بعد ان تكون الامة قد حسمت خياراتها الكبرى اما من خلال تراكم او توافق تاريخي او من خلال وثيقة دستورية متقدمة توزع السلطات والعلاقات بينها، وتحدد قواعد العمل بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية ما يصدق على الأحزاب يصدق ايضا على النقابات وعلى المجتمع المدني حيث ان هؤلاء يتحولون الى طرف أساسي يعزز الطابع الديمقراطي للدولة بحيث تكون الديمقراطية التشاركية مكملا للديمقراطيةً التمثيلية. ماذا اذن عن إستقلالية القرار الحزبي في المغرب ؟ لا حاجة للتذكير بان سياق التنازع والصراع على السلطة خلال ثلاثة عقود منذ استقلال المغرب، قد أضعف الحياة الحزبية بسبب المواجهة المتواصلة مع ما كان يعرف بأحزاب الحركة الوطنية انذاك، المواجهة التي اتخذت احيانا ابعادا عنيفة مباشرة وأحيانا اخرى ابعادا غير مباشرة، تم من خلال إما اختراق الأحزاب واحتواء بعض قياداتها الطامحة او من خلال اقامة احزاب كانت تسمى انذاك أحزابا ادارية، وبالخصوص من خلال التدخل المباشر في الانتخابات وصنع الخرائط الانتخابية! بل ايضا من خلال التدخل المباشر او غير المباشر في القرار الحزبي خلال المؤتمرات الحزبية !! اضعف الحياة الحزبية وأثر سلبا على الحياة السياسية ومصداقية المؤسسات المنتخبة ! اليوم وبعد مسار طويل اصبح فيه التنازع على السلطة والمنازعة في مشروعية الملكية في المغرب من الماضي، أصبحت هذه موضوع اجماع تقريبا والشاذ لا حكم له، بل ان العمل معها في تعاون وانسجام اصبح شرطا من شروط النجاعة والانجاز، واليوم بعد المطالَب التي رفعت خلال الربيع المغربي والتي وجدت لها اجابات واضحة خلال دستور 2011 ، هل أصبحت هناك حاجة موضوعية للتحكم في الحياة السياسية ؟ هل ما تزال الحاجة قائمة لوجود ما كان يسمى انذاك ب" الأحزاب الإدارية " ؟ هل ما زال هناك مبرر للتحكم في الخرائط الانتخابية ؟؟ هل عاد لوجود حزب يشتغل بآليات تحكمية مبرر للوجود والاستمرار ؟؟ كل المؤشرات المتراكمة منذ الاستحقاقات التشريعية الاخيرة مرورا بالانتخابات الجماعية تؤشر انه مضى ذلك العهد الذي يتم التحكم في النتائج وفي الخريطة الانتخابية ويتم صنعها في مختبرات وزارة الداخلية، حتى لو اقتضى ذلك التدخل المباشر لتزوير النتائج سواء بتهريب الصناديق او بحشوها او بعدم تسليم المحاضر وتزويرها، والاستخدام المفضوح من قبل المقدمين والشيوخ لبطاقات الناخبين، ناهيك عن الدعم المباشر لمرشحين معينين الى الحياد السلبي للإدارة تجاه الافساد الممنهج والفاحش للعمليات الانتخابية . كل المؤشرات تدل على انه لا مستقبل للمغرب الا بالتطبيع الكامل مع التحول الديمقراطي وتحرير المبادرة السياسية من التحكم والمبادرة الاقتصادية من الريع، والقطع مع التردد بوضع رجل في الماضي واخرى في المستقبل! وان ذلك التردد يضيع على المغرب وقتا ثمينا في الصراع على الهوامش بدل مصارعة الفقر والرشوة والتهميش والفوارق الاجتماعية، وانه ينبغي ان نقطع مع زمن " البريكولاج السياسي " غير ان البعض ما زال يعتقد ويتطوع من اجل القيام بهذا الدور الذي انسحبت منه الدولة واعطت على ذلك مؤشرا واضحا في دلالته حين انسحب مؤسس حزب الاصالة والمعاصرة فؤاد عالى الهمة من الحياة الحزبية وأصبح مستشارا لجلالة الملك، ولم يعد هناك التباس في الموضوع خاصة وهو الذي يوصف بصديق الملك، وتخلى عن الحزب الذي اسهم في تأسيسه، مما كان يوحي بأن هذا الحزب ينبغي ان يتحول الى حزب عادي وليس الى حزب تحكمي !! واعطت فيه مؤشرا واضحا حين لم تعد تأتي تعليمات فوقية الى القيادات الحزبية عشية انعقاد الموتمرات الحزبية، حتى لو بقي البعض ينتظرها الى آخر ساعة !' هل استطاع الحزب التحكمي أن يتحول الى حزب عادي ؟ هل تشي ممارساته بشيء من ذلك ؟ كل الوقائع تثبت العكس ! الحزب المذكور لم يستطع أن يتخلص من خطيئة الولادة الاولى ولا شيء في الأفق يوحي بذلك ! وما زال عرابه الاول يعطي الانطباع بكونه رجلا نافذا ويتصرف وكأنه رجل فوق العادة . ما تزال الاموال التي استخدمها الحزب المذكور، مما تواترت به الأخبار وسارت بذكره الركبان، خلال الحملة الانتخابية تطرح أكثر من سؤال ؟ ما زال التحدي الذي رفعه الاخ الأمين العام الاستاذ عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في وجه السيد إلياس العماري بأن يكشف عن مصدر أمواله التي راكمها منذ سنوات والاموال غير العادية التي مول بها مشروعه الإعلامي والمطبعة التي أراد أن ينشئها ب12 مليارا وكيف جمع هذه الأموال ما زال هناك اكثر من سؤال يطرح كيف تم تمهيد الطريق لإلياس العماري ليصل الى رئاسة الجهة انطلاقا من اخلاء الطريق له للترشح بمسقط راْسه بجماعة النكور، وهي الجماعة التي استعصت على عائلة "العماري" منذ عقود وكيف تمكن حزب الأصالة والمعاصرة من استقطاب أغلب المستشارين الجماعيين، خصوصا المنتمين منهم لحزب العهد الديموقراطي. ما زال هناك اكثر من سؤال حول الطريقة التي استطاع بها حزب الاصالة والمعاصرة الوصول الى رئاسة عدد من الجهات خارج كل منطق سياسي لولا منطق وممارسات تحكمية وأساليبه المعروفة التي سبق ان لجأ اليها ايضا من اجل تخريب التحالفات التي لم تكن على مزاج المتحكمين في ذلك الوقت ؟ وفي انتظار الجواب على تلك الأسئلة كان من المفروض ان تستخلص عدد من الأحزاب التي تماهت في لحظة من اللحظات مع التحكم ؟ وكادت ان تتحول إلى ملحقة له وجيب من جيوب مقاومة الإصلاح، وان كان بعضها اليوم يصر على السير في الطريق الغلط، كان من المفروض وما زال الوقت أمامها لتتعظ من النتائج الي أسفرت عنها انتخابات 4 شتنبر، وقد كانت عقابا سياسيا شعبيا لمعارضة تماهت مع حزب الأصالة والمعاصرة من المفروض ان تستعيد تلك الأحزاب قدرتها على المقاومة إزاء هذه البنية التحكمية والسلطوية العميقة.