بعد حلول الذكرى الخمسين على تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية والتي سميت فيما بعد بالاتحاد الإفريقي، شرعت الدبلوماسيتان المغربية والجزائرية في تدشين خطوات لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدولتين، انجرت وراءهما دول حليفة فسرها محللون بتورط غير مسبوق لهذه الدول. فتزامنا مع إعلان العاهل المغربي عن الزيارة المقررة لدول إفريقية، قررت الخارجية الجزائرية، في خطوة غير مسبوقة، إعفاء 14 دولة إفريقية من الديون المتراكمة والتي قدرت بأزيد من 902 مليون دولار. اعتماد هذه الخطوة يمكن أن يفسر في وقته الراهن بالصراع المحموم بين البلدين حول نفوذهما في دول إفريقيا لربح قضية الصحراء، النزاع التاريخي بين الجارين اللدودين. جمعية مغمورة تورط فرنسا في أزمة دبلوماسية ذات أبعاد أمنية حساسة شكاية لجمعية مغمورة تدعى "حركة مسيحيين لوقف التعذيب" ترفع، في خطوة لم تدخل أبدا في حساب المغرب، دعوى بفرنسا تتهم مدير إدارة مراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بتهمة التورط في تعذيب سجينين، مع ما صاحب ذلك من ضرب لكل أعراف الدبلوماسية، على اعتبار أن حموشي كان يوجد بفرنسا في مهمة رسمية رفقة وزير الداخلية محمد حصاد، في لقاء أمني شارك فيه المغرب وفرنسا والبرتغال وإسبانيا. فرغم الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها المسؤول المغربي، بناء على اتفاقيات ثنائية بين البلدين، ورغم أن الشكاية ليست مصحوبة بدليل، سارع قاضي التحقيق الفرنسي بإرسال 7 من عناصر الشرطة لمكان سكنى شكيب بنموسى، السفير المغربي بفرنسا، لاستدعاء مدير المخابرات المغربية بتهم التعذيب. الخطوة كان لها مفعول الصدمة في أوساط الدبلوماسية المغربية، حيث سارع بنموسى إلى إصدار بيان شديد اللهجة وغير معتاد من طرف الخارجية المغربية شجب فيه الحادث واستنكر عدم احترام المساطر والأعراف الدبلوماسية في التعامل مع المسؤولين الكبار. لم تكتف وزارة الخارجية بذلك، بل استدعت السفير الفرنسي في الرباط، شارل فريز، من طرف الوزيرة المنتدبة بها، امباركة بوعيدة، أبلغته باحتجاج المغرب القوي، لما اعتبرته "إجراءات فجة ومنافية لقواعد الدبلوماسية ..." الجزائر تحاول إجهاض الجهود .. وفرنسا تتورط الحادث اعتبره المحللون راجعا إلى التحرك السياسي والمدني العنيف من جانب الانفصاليين المدعومين من الجزائر، حيث توجد الانفصالية أمينتو حيدر رفقة المخرج الاسباني بارديم الذي أنجز مؤخرا وثائقيا مساندا للطرح الانفصالي نال سخط النقاد لتحيزه الكبير. تواجد العاهل المغربي أساسا بمالي كان شديد الإزعاج للجزائر، تورطت فيه الأخيرة بأبشع التصرفات، خصوصا حينما وصل الأمر للاستعانة بجهات مالية، عملت على إرسال رسائل هاتفية قصيرة عشية الزيارة الملكية، تحذرهم من الخروج لاستقبال الملك، ومن حوادث عنيفة متوقعة. محللون اعتبروا هذا التحرك محاولة لتغطية نجاح تحرك الدبلوماسية المغربية الأخير، وأن السرعة التي تناقلت بها بعض وسائل إعلام "البوليساريو" وإذاعات ومواقع إعلامية جزائرية الخبر في نفس اللحظة التي نقلته فيها وكالة الأنباء الفرنسية، يعني "أننا أمام خبر معد له سلفا، وبتنسيق بين أطراف من داخل فرنسا وخارجها". فرنسا: المغرب هي عشيقتنا التي نجامعها كل ليلة، لكن، وجب حمايتها رغم عدم حبنا لها لم تستسغ الدبلوماسية المغربية الحدث الأول بعد، حتى نالتها الصفعة من جديد، ومن حليفها التاريخي كذلك، فرنسا، إذ صدرت من السفير الفرنسي في واشنطن كلمات جارحة وعبارات مهينة، شبه فيها المغرب ب"العشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها". سارعت بعدها الحكومة المغربية في الرد ببيان عبر وزيرها الخلفي، قال فيه بأن هذه العبارات القدحية "جاءت على لسان ممثل إسباني معروف بعدائه المفرط للوحدة الترابية للمملكة، وذلك خلال تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام فرنسية، في إطار حملة مغرضة ومنظمة ضد القضية المقدسة لجميع المغاربة". تصريحات السفير الفرنسي نالت سخط الجميع، كما نال بيان الناطق الرسمي باسم الحكومة استغرابا واسعا، على اعتباره لا يرقى للرد على ما أثاره السفير، خصوصا لاستعماله لغة ك"أن حكومة المملكة المغربية تعمل دائما على تعزيز العلاقات الثنائية مع فرنسا، في إطار الصداقة المتينة، والاحترام المتبادل، والشراكة ذات النفع المشترك"، وأن الحكومة المغربية "لعلى ثقة تامة بقدرة فرنسا على معالجة ما خلفته هذه العبارات التي مست بكرامة جميع المغاربة". ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية والتواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال أن التصريحات "غير المحسوبة والمدفوعة الثمن" للسفير الفرنسي بواشنطن "غالبا ما تكون وراءها بعض القوى خصوصا اللوبي الجزائري". المغرب يرد.. مؤشر حدة التوتر لن يرى الهدوء في الأيام القادمة، خصوصا وأن المغرب قرر تأجيل زيارة لمبعوث فرنسي رفيع المستوى، الزيارة التي كان مقررا أن يقوم بها نيكولا هيلو، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، من أجل حماية كوكب الأرض، اليوم الاثنين إلى العاصمة المغربية الرباط. رغم أن الأزمة خلقتها جهات رسمية وأخرى غير رسمية بفرنسا، فالأخيرة وحدها من يمكن أن تخفف من حدتها، وعلى الدبلوماسية المغربية استغلال الفرصة ما أمكن لتحد من تأثير التبعية الاستعمارية ونفوذها.