لست اتحاديا و لست استقلاليا ولم يسبق لي أن انخرطت في أي من الحزبين، غير أنني اعتبر أن الأحزاب ليست ملكية فردية و لا يمكن تحفيظها للمنتسبين فيها فقط. فمن حق جميع المغاربة، أيا كانت انتماءاتهم ومرجعياتهم، وحتى غير المحزبين منهم، انتقاد الهيئات السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية ما دامت هذه الأخيرة تستفيد من ضرائبنا و مادمت تقدم نفسها على أنها في خدمة المواطنين، بعيدا عن خطاب التشكيك ونظرية "المؤامرة". فما يعيشه الحزبين من تصدع و تشتت لا يهدد وحدتهما التنظيمية فقط، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى تهديد المسار الديمقراطي في بلادنا تهديدا فعليا. فالديمقراطية تبنى أساسا على مبدأ التشارك و التداول السلمي حول السلطة ومحاربة فكر الاحتكار و الهيمنة والتسلط، أيا كانت الجهة المحتكرة. فلا يمكن لأي ديمقراطية في العالم أن تولد وتنمو ما دامت الأحزاب السياسية التي ستفعل هذه الديمقراطية في وضعية عاجزة لا تسمح لها بالقيام بأدوارها كاملة. حتى الآن لا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن شباط و لشكر سيتعاملان مع الصدمة كعاقلان و أنهما سيغلبان مصلحة الوطن. صحيح لقد سمعنا عن "النقد الذات" الذي يعتزم الاستقلاليون القيام به، لكن الخوف كل الخوف أن تكون هذه الخطوة ابتزازا من نوع آخر للدولة. التشكيك في نوايا شباط ضرورة منهجية، خصوصا بعد تصدر حزبه لانتخابات مجلس المستشارين، فالرجل يغير مواقفه كما يغير الشخص جواربه، و الاتجاه العام داخل الحزب يفيد أنه "باق و يتمدد". هذا "النجاح" لا يمكن أن يخفي عنا حقيقة الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها حزب الاستقلال، لاسيما إذا علمنا أن نصف المقاعد المحصل عليها في الغرفة الثانية تقريبا كانت في الجهات الصحراوية الثلاث، حيث يغيب الارتباط الحزبي و تحضر الغنيمة و القبيلة، وحتى بقية المقاعد لن تخرج عن هذا المنطق. هذه الخطوة في اعتقادي ترمي فقط لترقيع "بكارة" شباط السياسية و إعادة تقديمه للمغاربة في حلة جديدة. أما الاتحاد الاشتراكي فلا زال يجتر خطابا ميتافيزيقا ينتمي للحرب الباردة و يلوك قياديوه بإصرار مؤلم خطاب "المؤامرة" التي تستهدف الاتحاد الاشتراكي، و كأن اتحاد بوعبيد و بنجلون و بن بركة و اليوسفي هو نفسه الاتحاد الذي يسيره اليوم إدريس لشكر. و الواقع أن لشكر استطاع في ظرف وجيز إضعاف حزبه و تشتيت شمل الأسرة الاتحادية بشكل كان سيقف أمامه إدريس البصري نفسه منبهرا، وذلك بفتح المجال أمام تجار العمل السياسي و الباحثين عن مظلة للاحتماء، في الوقت الذي تم فيه تهميش الكفاءات و الكوادر على المستويين الوطني و المحلي. فلا غرابة إذن ألا يتمكن الحزب من تشكيل فريق بمجلس المستشارين و لن تكون مفاجأة إذا لم يحصل الاتحاد على العتبة لتشكيل فريق برلماني في انتخابات 2016 نتيجة التصدع الذي خلفه انشقاق رفاق المرحوم الزايدي و تأسيس البديل الديمقراطي. و شخصيا أتوقع أن يغادر أعيان الاتحاد السفينة، التي خرقها لشكر قبل أن تغرق بهم جميعا، فبقاء هؤلاء في الحزب رهين بما يوفره لهم من دعم وحماية، وكما لا يخفى على الجميع فالاتحاد الاشتراكي لم يبقى ذلك الحزب القوي، الذي بإمكانه أن يوفر الحماية لأي كان. ليس من مصلحة الوطن أن يبقى حزب العدالة و التنمية اللاعب الوحيد في الرقعة الذي يحترم قوانين اللعب. كلا، إننا نحتاج إلى أكثر من لاعب في الميدان يحترم قواعد اللعب و يتنافس بشرف. و هذا ما لا يتضح مع كامل الأسف من خلال استقراء الواقع الحزبي ببلادنا. فإذا كانت الدولة قد فهمت الدرس جيدا في 2011 و أدركت أن التحكم يؤدي إلى الانفلات، فإن جل الأحزاب السياسية اليوم تدفع في اتجاه عودة التحكم، حتى إذا كان ذلك بالابتزاز.