كلما اقترب موعد تخرج الطلبة إلا وامتزج لديهم شعور بين فرحة التخرج وهاجس ما بعد التخرج، وانطلقوا يبحرون في دروب الحيرة و التوجس خيفة من المستقبل المجهول و شبح البطالة، فأثناء الدراسة يدخل الطالب في غياهب من الأحلام والأوهام ويمني النفس بمنصب في مستوى عال- وهذا حق مشروع- لكنه سرعان ما يستفيق من أحلامه على وقع أرقام البطالة المخيفة وارتفاع منسوبها عام بعد عام. فانطلاقا من المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل خلال سنة 2013 تم تسجيل مابين سنتي 2012 و 2013 ارتفاع معدل البطالة لدى الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و 24 سنة من %18,6 إلى %19,3، وانتقل من %4 إلى %4,6 لدى غير الحاصلين على شهادة. وكذا سجلت المندوبية انه يضل مرتفعا لدى حاملي الشهادات: فعلى المستوى العالي سجلت (%18,8)، خصوصا لدى حاملي الشهادات الجامعية (%22,1) والتقنيين الممتازين (%25,1)المستوى المتوسط (%15,1)، خصوصا التأهيل المهني (%21,4) وشهادات التخصص المهني (%22,1). أمام هذه الأرقام والنسب التي تتناسل بكثرة من لدن جهات متعددة والتي تكتسح بحوافرها ذهن الطالب يقف مذعورا كاسف البال ويغرق في تأملات وتساؤلات، كيف يمكن الحصول على منصب شغل وسط هذا الفيض من الخريجين؟ كيف يمكن الحصول على منصب شغل أمام تقليص مناصب الشغل في قانون المالية (مايقارب18000منصب شغل برسم سنة 2014 مقارنة ب 24000منصب برسم سنة 2013)؟ هل القطاع الخاص يوفر مناصب شغل تتلاءم مع ما اكتسبه الطالب في الجامعة؟ لكن هل الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن أزمة التشغيل ؟ وماذا عساها أن تفعل؟ أليس القطاع الخاص يتحمل جزءا من المسؤولية؟ ففي الوقت الذي يطالب بضرورة توفير خرجين يفقهون الجانب الميداني أكثر من الجانب النظري وهو على العلم أن الجامعة تعتمد على الجانب النظري أكثر منه على الجانب الميداني أو يكاد يكون منعدم في بعض الشعب، أليس من المفروض ان يقدم بديلا واضحا؟ وما هو الترياق الناجح للخروج من مشكل البطالة أو التخفيف منها؟ وبإلقاء نظرة على التجارب المقارنة نجد ألمانيا رائدة في مجال كبح مشكل البطالة باعتمادها أنموذج رائد الذي تم تصديره إلى دول أروبية أخرى وهو التأهيل المهني المزدوج الذي يجمع بين المدرسة (النظري) والتدريب العملي في الشركة. فقد سجل المركز الأوروبي لدعم التأهيل المهني (Cedefop) أن الشركات ستكون في أمس الحاجة إلى يد عاملة مهمة في أفق سنة 2020 وبتالي ضرورة التوفر على يد عاملة مؤهلة مهنيا وليست مؤهلة جامعيا.وكذا نجد اسبانيا قد سلكت نفس المسلك. وبالعودة للمغرب نجد أن الجامعات اليوم تنطوي عن نفسها وتغرد خارج سرب سوق الشغل والقطاع الخاص. أما الحكومة ترى في التوظيف انه عبئ يثقل كاهلها بحيث تمثل كتلة الأجور حسب التوقعات في سنة 2014 : 103,7 مليار درهم . وفي الأخير أردف قائلا انه يجب على الدولة أن تنهل من معين التجارب المقارنة الناجحة التي أبانت عن نجاعتها في تكسير جدار أزمة البطالة وتقليص نسبها، ولابد من ملائمة المناهج التعليمية وخصوصا مناهج التعليم العالي ومتطلبات سوق الشغل، والاستناد على دراسات توقعية لحاجيات سوق الشغل على المدى المتوسط وحتى البعيد. وتبقى من واجبات الشباب الخريجين أن يكونوا حاملي مشاريع للنهوض بالإدارة العمومية والنهوض كذلك بالمقاولات الخاصة ،وليس شد الترحال صوب قبة البرلمان لرفع لافتات والصدح بشعارات تطير في الهواء مثل الفقاقيع الصابونية، فالأولى والأحرى حمل مشاريع مستقبلية ترقى بالمجتمع إلى أعلي عليين. فضلا عن ضرورة توسيع في صلاحيات الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات ، ونأمل أن يسهم المرصد الوطني للشغل الذي أكد وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية القيام بمساعي كبيرة لإخراجه إلى حيز الوجود في أفق سنة 2014، في وضع رؤية استرتيجية واضحة المعالم في مضمار الشغل.