الجزائر- يوسف تازير - اقتنعت السلطة في الجزائر أن لا سبيل للحد من الحركات الاحتجاجية التي تشهدها البلاد إلا بالجنوح إلى إجراءات تهدئة أو ما بات يعرف بشراء "السلم الاجتماعي"، فحاولت استمالة الشباب العاطل لصفها من خلال برامج وإعلان قرارات على درجة كبيرة من الأهمية هدفها الرئيس التخلص من شبح البطالة ، غير أن الواقع و تقارير الخبراء يؤكدان عدم قدرة الاقتصاد المحلي على تأمين فرص عمل كافية للخريجين وتقليص الفوارق، ما يولّد حالة إحباط واحتقان اجتماعي قد يؤديان إلى ثورة ستأتي على الأخضر و اليابس يفوق مستوى البطالة العام 13 بالمائة ويصل إلى أكثر من 20 بالمئة بين فئة الشباب وفقا لتقديرات دولية، و10 بالمئة حسب بيانات الحكومة. بينما يقدر عدد السكان الناشطين بحوالي 10 ملايين من مجموع 35 مليون نسمة، أي بنسبة تشغيل تصل إلى 2ر27 بالمئة و استنادا إلى خارطة التشغيل، فان قطاع التجارة والخدمات يمتص 2ر55 بالمئة من مناصب العمل. الشباب لا يؤمن بسياسات الحكومة رغم إطلاق برامج استثمارية ضخمة و عودة السلم والاستقرار، وهي عوامل محفزة لقيام اقتصاد قوي، إلا أن حال من هم من أمثال الشاب عبد الرزاق تخالف الصورة تماما، واقفا على عتبة مدخل إحدى وكالات التشغيل بوسط الجزائر العاصمة بعد أن ضاق فضاؤها بطابور طويل من طالبي العمل، و هو يأمل في الموافقة على ملف حمله على مدار سنتين يخص مشروع لاستحداث مؤسسة للتصميم الصناعي بما يتناسب مع تخصص شهادته الجامعية التي حصل عليها قبل 5 سنوات قضاها في البطالة. فضل عبد الرزاق الذي أكمل عقده الثالث، التزام الصمت حينما طلبنا منه التعليق عن نسبة البطالة التي تسوقها الحكومة، مكتفيا بإطلاق ابتسامة ساخرة مشحونة بمشاعر الغضب و التذمر، قبل أن يقول:"الحكومة تعتبر أي شخص تسلمه منحة ليس بطالا كالمعوق أو الكهل أو منحة تشغيل الشباب أو الصيغ المختلفة لما يسمى بالتضامن، هذه المنح مجتمعة كلها لا تساوي راتبا محترما". أما مالك/28 عاما/ حامل شهادة الليسانس في العلوم السياسية، فيبدو انه لا يؤمن بتاتا بسياسات الحكومة عندما قال "صدقوني لا أمل و لا سياسة تشغيل في الجزائر، فأنا وزملائي تخرجنا في 2005 ولا زلنا بطالين". و أضاف:"الجزائر في الوضع الحالي تمنحك العمر كله لتموت إما جوعا أو غرقا أو....أنتم تعرفون الباقي. إطارات أنهكتها البطالة، فما بالك بعديمي المستوى وهم كثر .الحل هو حل الحكومة والبرلمان". س.محفوظ وهو خريج شاب من إحدى مؤسسات تكنولوجيا المعلومات والذي ظل عاطلا عن العمل منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، يسرد قصته مع آليات التشغيل بالقول:"منذ ثلاث سنوات ونصف وأنا أبحث عن عمل قار، لما تخرّجت كنت متحمسا جدا لكنني فقدت الأمل في وقت لاحق. قدمت ترشحي للعشرات من أرباب العمل لكن دون فائدة". هذه النظرة تتقاسمها معه سامية التي أنهت مؤخرا برنامجا للتدريب المهني " قلة فرص العمل غير مرتبطة بكوني لم أكمل تعليمي العالي، فقد حصلت على شهادة التدريب المهني والتشكيل الفني وأنا آمل حقا في أن أعثر على عمل يناسب تكويني". لا جدوى من إنفاق أموال النفط على حلول مؤقتة حماس الباحثين عن العمل لا يقاسمه الخبير الاقتصادي، عبد الحق لعميري، الذي يعتقد أن البطالة ينبغي أن تُقلّص باستحداث مقاولات جديدة بدل إنفاق أموال عائدات النفط على حلول مؤقتة. و يحصر لعميري، العراقيل التي تواجه عملية التشغيل في الجزائر، بعجز في اليد العاملة المؤهلة و ضعف التطور بالنسبة للحرف و عدم التوافق بين دفعات التكوين واحتياجات التشغيل و ضعف الوساطة في سوق الشغل و وجود اختلالات بالنسبة لتقريب العرض من الطلب. إلى جانب عدم توفر شبكة وطنية لجمع المعلومات حول التشغيل و كذا انعدام المرونة في المحيط الإداري والمالي والذي يشكل عائقا أمام الاستثمار. من جهته، يرى الخبير الدولي، مالك سراي، أن نسب النمو المحققة بالجزائر على مدار الخمس سنوات الماضية التي تراوحت نسبتها ما بين 5ر4 إلى 5 بالمئة غير كافية لتشغيل أكثر من 280 ألف شاب يقبل على سوق العمل سنويا، و أن البلاد بحاجة إلى نسبة نمو مستقرة عند معدل 6 بالمئة في غضون الخمس سنوات القادمة للحد من "معضلة" البطالة. و يعتقد المستشار السابق بالأمم المتحدة، أن هناك تناقضا بين إستراتيجية التشغيل التي تبنتها السلطات الجزائرية و تطبيقها بحكم "طابعها الإداري البحث"، و أن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لتوفير مناصب الشغل بشكل مؤقت لآلاف الشباب العاطل بهدف امتصاص غضب الشارع وتهدئة الجبهة الاجتماعية، هو في الحقيقة هروب إلى الأمام قائم على قرار سياسي دون معالجة اقتصادية و فعلية للمشكلة في البلاد. و يربط سراي هذا الوضع بعدة عوامل يراها صنعت "فشلا اقتصاديا أمام رؤية سياسية إيجابية"، منها ثقل المسار الإداري لحصول الشباب العاطل على القروض البنكية للاستثمار و المعروفة اختصارا ب "البيروقراطية و الوساطة"، حيث تستحوذ 5 شركات خاصة على ما نسبته 25 بالمئة من إجمالي القروض البنكية الممنوحة خلال العشر سنوات الماضية. يعتقد الخبير سراي، أن التباين الكبير الموجود في نسب البطالة جغرافيا، يطرح عدة أسئلة مرتبطة بتوزيع الثروة الهائلة الناجمة عن عائدات النفط و خلل في تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف المناطق، ناهيك عن ما وصفه ب "الكارثة الخطيرة" الممثلة في السوق غير الرسمية التي تضم 40 بالمائة من الإمكانيات المالية للدولة. اعتراف بالفشل يقول الأمين العام للوكالة الجزائرية لدعم تشغيل الشباب، وهو أكبر جهاز حكومي للتشغيل، إن الوكالة ساهمت بقوة في تقليص مستوى البطالة إلى 10 بالمئة، أي ما يعادل 7ر1 مليون عاطل عن العمل، بعد أن وصل عددهم في 2001 إلى أكثر من 5 ملايين بطال. ويكشف محمد الطاهر شعلال، أن نسبة البطالة بلغت 1ر8 بالمئة لدى الرجال، و1ر19 بالمئة لدى النساء، وتمس بشكل خاص فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عاما. و تسجل أعلى مستوياتها في المناطق الداخلية، سيما في أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما. و يعتبر ذات المسؤول، إن مقاربات النمو سجلت طفرة في 2010، حيث تم استحداث العام الماضي حوالي 22 ألف مشروع مقابل 10 آلاف مشروع فقط في 2008، و20 ألف مشروع في 2009. وأوضح شعلال أن هذا "الأداء"، كان نتيجة فتح فروع نشاطات إضافية وأيضا التركيز على التكوين والتأهيل، وهما عاملان أساسيان لضمان استمرارية المؤسسة المستحدثة وتوسيع رقعة النشاطات الاستثمارية، خصوصا في المناطق الداخلية. لكن ذات المسؤول سرعان ما يعترف بأن 20 بالمئة من المشاريع التي أنجزت في إطار مختلف صيغ التشغيل الحكومية، ما تزال تعاني من مشاكل عويصة مرتبطة أساسا بالتسيير ومعطيات المحيط الاقتصادي والنسيج الصناعي المحلي. تتوقع الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب، استحداث 30 ألف مشروع إضافي سنويا، لكن شريطة تعاطي الهيئات القطاعية الأخرى إيجابا مع مجهوداتها ، من خلال العمل على إزالة العراقيل والعقبات التي تعترض الشباب الراغب في الاستثمار، خصوصا البنوك التي "تتكاسل" في دراسة الملفات و الموافقة على منح القروض المطلوبة. تخوفات الرئيس جعلت الحكومة الجزائرية من النمو الاقتصادي ومحاربة البطالة هدفين وطنيين استراتيجيين، ويقول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إن "بطالة الشباب وبالخصوص حملة الشهادات منهم شديد وقعها في كافة أصقاع العالم. والجزائر ليست في منأى عن هذا الواقع". وتبعا لذلك، أعلن عن عدة تدابير اقرها مجلس الوزراء المجتمع يوم الثلاثاء 22 شباط /فبراير، تخص دعم وتشجيع الاستثمار المصغر في إطار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب و الصندوق الوطني للبطالة ، وتتعلق بتخفيض إسهام "الشباب" الشخصي في تمويل الاستثمار وتوسيع الحد الأقصى لنسب الفوائد الميسرة و تمديد فترة مؤجل دفع الفوائد و منح قروض إضافية. إلى جانب تخصيص حصة من العقود العمومية المحلية للمؤسسات المصغرة و الإعفاء الجبائي لثلاث سنوات و إدخال تحسينات على آليات الإدماج في عالم الشغل أو المناصب المؤقتة. يكشف وزير العمل الجزائري، الطيب لوح، عن توظيف 130 ألف شاب متحصل على شهادة جامعية من أصل أزيد من 530 ألف منصب وفر للشباب العام الماضي، و أن سوق العمل يستقبل سنويا 120 ألف من حاملي الشهادات، بينما 72 بالمئة من طالبي الشغل تقل أعمارهم عن 30 عاما. ومن بين مجموع مناصب العمل التى تم استحداثها، تم خلق 60133 منصب شغل عن طريق الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، و 15804 منصب آخر عن طريق الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة، و181839 منصب في إطار الوكالة الوطنية للتشغيل. و تأمل الحكومة في تقليص نسبة البطالة إلى 9 بالمئة بحلول 2013، و خلق ما بين 350 ألف و450 ألف منصب شغل سنويا، مما يسمح بزيادة التوظيف بين الشباب لمستويات تقارب 33 بالمئة مقابل 3ر12 بالمئة حاليا، بفضل برنامج يقدم ثلاثة أنواع من عقود التوظيف، هي عقود إدماج لحاملي الشهادات الجامعية وعقود إدماج خريجي مؤسسات التدريب المهني للشباب الذين أكملوا دروسا في التدريب المهني والحرف ثم عقود الإدماج المهني للباحثين عن العمل ولا يتوفرون على مؤهلات مهنية