تونس ذاك البلد الصغير في المساحة وفي تعداد السكان، عاش الأسبوع الماضي عرسا ديمقراطيا وتوافقيا كبيرا، بعد نجاح عرس الإطاحة بالديكتاتور بنعلي. ذاك البلد الذي كان سباقا إلى إطلاق شرارة الربيع العربي بعد الصفعة التي تلقاها المرحوم الشاب محمد البوعزيزي من طرف شرطية بقرية سيدي بوزيد، فثات القرية وثار معها الشعب برمته. واستطاع الفرقاء السياسيون في هذا البلد تدبير التوافق حول دستور تونس الجديد، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب، واستطاعوا خلالها إخراج الوثيقة الدستورية من عنق الزجاجة رغم ما حاول فلول نظام بنعلي أن يحدثوه من زعزعة الثقة في آخر فصول الثورة، خاصة ما وقع من استهداف زعامات حزبية ومعارضين يساريين. ونجح في التونسيون، حتى الآن على الأقل، على خلاف غيرهم من دول الربيع العربي، (نجحوا) في الإجابة على الأسئلة المطروحة من قبيل سؤال طبيعة الدولة لما بعد الثورة، وسؤال مستقبل العلاقات بين أطياف المجتمع. ويطرح نمط التدبير السياسي لما بعد الثورة التونسية سؤال العلاقة الأفقية بين أطياف المجتمع، ونخص بالذكر عنصرين هامين في المعادلة الثورية التونسية، وهما الإسلاميون واليساريون، من أجل بناء دولة المواطنة. وهو ما حاول الفرقاء التونسيون القيام به عبر المزاوجة بين الفكرة الإسلامية في الحكم، والتي يحمل لواءها التيار الإسلامي ممثلا في حركة النهضة، والتجربة اليسارية، والتي يحمل لواءها لتيار العلماني واليساري. أما العلاقة مع رموز النظام السابق فقد عمل رموز الثورة التونسية بمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة حينما قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، لأن الثورة تجب ما قبلها ومِلك لكل أفراد الشعب. تلكم إذن بعض الدروس المستقاة من التجربة التونسية في الثورة، والتي ستفضي إلى بناء الدولة التونسية الحديثة في إطار من التوافق المؤدي لتحقيق دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.