الاختلاف بين مختلف المجتمعات العربية يمكن أن يعزى إلى اختلاف على مستوى المنظومة القيمية الأخلاقية التي تكونت من خلال عادات و تقاليد المجتمعات على مر القرون و أساسا الإسلام الذي عمل على تنظيم حياة الإنسان على مستوى الغاية و تهذيب روحه و ربط الأخلاق بما هو أسمى حتى لا تتحلل. فالمجتمعات العربية بتعدد خلفياتها و تقاليدها و بنيتها مختلفة على نظرائها الأوربية و الأمريكية على مستوى رؤيتنا الحضارية المتمثل في هدف خلق الله للانسان من خلافة و اعمار للارض فالرؤية هنا مستمدة من الجانب الديني عكس بعض المجتمعات الاخرى التي وضعت الدين كإعتقاد جانبا. و من النافل القول ان المبادرات العديدة في العشر سنوات الاخيرة لتشخيص امراض المجتمع التي استنار أصحابها بنور أفكار النهضة ، أفكار مالك بن نبي التي انارت معظم نقاط الظلمة في الرؤية الحضارية , قدمت تفسيرا للخلل الذي تتفرع منه أزمات الأمة العربية و الإسلامية لمعرفة كيفية النهوض فمنها ما يتعلق بالإنسان و منها ما يتعلق بالتراث الإسلامي ، و أضحت الحاجة كبيرة في ظل نمو فكر الغلو و التطرف المذهبي إلى فكر إسلامي بحداثة أصيلة بروح متجددة و في الوقت ذاته متناسبة مع تطور المجتمع الإنساني و ليس مع ما فرض عليه من ثقافة المجتمعات الأوربية و الأمريكية من بعض القيم المادية الهدف و ما يشوبها من انحلال خلقي. فتنظيم المجتمع يخضع لقيم خلقية تنظم نشاطه نحو غاية يحددها ،وهي مقاييس و قواعد قابلة للتغيير.فإذا تابعنا تطور المجتمع الإسلامي منذ ان وضع الرسول لبناته الأولى , فقد بلغ أوجه في عهد الخلفاء الراشدين و بدا أفوله مع تغيير نظام الحكم كنقطة سقوط و انحدار متميزا بغلبة فكرة الكم على فكرة الفعالية بمعنى توجه المسلمين للتوسع بشكل امبريالي و لم يعمدوا على تكوين الانسان روحيا و اخلاقيا طبعا هنالك استثناءات لكن النموذج السائد هو ما اوصل المسلمين الى ما عليهم اليوم و كمثال أورد تساؤلا يؤرقني لماذا اتجه المسلمون في "الفتوحات" للشمال و لم يتوجهوا نحو جنوب أفريقيا و الشرق نحو اسيا ؟ و لماذا عندما يتناول هذا الموضوع، نتكلم عنه بفخر كأننا أوصياء على غير المسلمين و أن بأيدينا مفاتيح الجنة نعظم من نشاء و نظن الآخر عبدا لنا وجبت عليه طاعتنا في حين ان الواقع اليوم هو عكس ما نظن تماما ! اترك للقراء حرية البحث, فالبحث في هذا السؤال سيتيح لنا تصحيح أفكار كثيرة في إطار تعاملننا مع غير المسلمين . و الذي انتبه فعليا للاشكال يجب ان يعي ان المشكل من داخل تراثنا الذي نعطيه طابع القدسية م مخلفا آنذاك اعتقادات بالتعالي على الآخر و غيرها من الآفات النفسية فيقوم ذلك التراث المجتمعي عن طريق أدوات ناتجة عن تراكم تجارب الأجيال المتعاقبة بتحصين نظام عمله كإضفاء طابع ديني تارة أو طابع التقليد ، لذا يجب على النقد بالأساس أن يتوجه لكيفية نظر المجتمع للمختلف و للمخالف . هذه الخطوة التي تندرج في إطار محاولة لتشخيص الأزمة يجب ان تنطلق من شعور بالمسؤولية و ليس من منطلق الوصاية و فرض نمط خاص لا خروج عليه من طرف المجتمع ، و بالنسبة لهذا الأمر فهو يدخل في أساسيات بناء دولة الإسلام التي هي بالضرورة دولة الإنسان بغض النظر عن المعتقد كون رسالة النبي صلى الله عليه و سلم رسالة عالمية ففي هذه الدولة جميع الأفراد متساوون في الحقوق و الواجبات فلا نحن مواطنون من الدرجة الأولى (أي المسلمين ) كما يصور البعض و لا الآخرون ثانويون و لا حتى من درجة ثانية ، و كما أفردت مسبقا لا يجب يكون عيشهم في هذا البلد تفضلا منا عليهم و لست هنا بمدع فحقوق الانسان فصلت في القرآن قبل ان تذكر في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. قد يقول قائل أن هذا النقد يدخل في جلد الذات و الأمة بخير طالما التزمت بطاعة ولي الأمر و بالعبادات و عن السكوت إزاء أصنام تراثها و طابوهات المجتمع . نصلي كل يوم و نصوم كل سنة ، كما نحن هذه السنة كما كنا السنة الماضية ، روحيا و سلوكيا أتكلم . هذا من جانب أما من الجانب الآخر فكم من مرة نلاحظ : ما أن يخرج شخص متجدد الأفكار ، دائم النقد و غير جامد الفكر يحاول هدم أصنام صنعناها من تراثنا الاسلامي حتى تنتفض العقول الجامدة بالتكفير و التخوين تارة برميه بالإلحاد و تارة بالتشيع ، لا لسبب واضح إلا لأن افكاره تهدد راحة البعض ممن استفادوا من جمود عقول الناس على الأفكار السائدة , و لأن نفسونا كسولة تميل الى الراحة و عدم " زعزعة " سباتها نحس عند أول تهديد لهذه الأصنام بتضخم الأنا الممزوج بالغضب المصطنع بحجة الوصاية المطلقة على الدين , فعندما نريح أنفسنا من التفكير و نرمي مخالفا بأديولوجية تحمل معنى سلبيا في قاموس الوعي الجمعي للمجتمع .أن نخدع أنفسنا و نعزو فشلنا في مقاومة هذا السيل المتدفق من الصدمات إلى الآخر كفيل بأن يكرس في عقولنا أفكار التعالي و الغرور و ضمان الجنة فوقها فكرة رئيسية "أننا شعب الله المختار", و ما أخطاؤنا إلا نتيجة تآمر الآخر علينا (الغرب) .