كثيرة هي عبارات الإحباط والتثبيط التي نسمعها من ذوينا وأصحابنا ونحن نتابع أحوال أمتنا الجريحة... فيقال إن مصر ذهبت أدراج الرياح، وإن سورية رجعت القهقرى عقودا ولن تعود... وإن أعداءنا استقووا علينا فلا أمل في النصر عليهم... وأن إرادة الأمريكان وبني صهيون ليس فوقها إرادة ... وأن كفانا حلما فلن ننتصر أبدا... وغيرها مما قد يثبط العزائم في نفوسنا فينعكس سلبا على تنشئة أبنائنا المعول عليهم، بعد الله، في تحقيق النصر المنشود، بل الموعود. حقيقة، قد اشتدت الأزمات واجتمعت، وتكالبت علينا الأمم. وإن الغرب قد تقوى واستكبر، وخطط ودبر. وها نحن نرى بأمهات أعيننا تنفيذ أعداء الأمة لمخططاتهم المحكمة بعيدة المدى خطوة خطوة. وما إن نفرح لنهوض شعب ضد الظلم الذي عانى منه عقودا حتى يتبين لنا بعد حين توجيه قوى الاستكبار العالمي لجميع الأحداث حتى نظن أننا صرنا مسيرين بأجهزة تحكم توجه فينا كل حركة وسكون، بل كل شهقة وزفرة. حتى إذا خمد الهيجان، اطمأن جنود الأعداء من بني أوطاننا فعادوا ليستبدوا استبدادا لم تشهده الشعوب حتى قبل نهوضها القريب. بيد أن الآتي لن يكون إلا نصرا مبينا، شئنا أم أبينا. ومهما ادعى بعضنا الواقعية والفهم. فالنصر آت لا محالة، وهو قريب جدا. وليس لمن يريد أن يشهده إلا أن يستيقن يقينا جازما لا يعتريه أدنى شك. بل وإن اشتداد الأزمات لأكبر مبشر بأن الآتي لن يكون إلا خيرا. فلنستبشر، ولنتوكل على خالقنا، ولنتوكل على خالقنا، ولنشمر سواعدنا سائلين الله عز وجل أن يستخدمنا في نصر الأمة، فنكون بذلك فاعلين لا مجرد متفرجين في غيرنا وهم ينالون شرف المساهمة في تحقيق النصر الموعود. فلنقرأ كتاب الله متدبرين آيات النصر، ولنراجع السيرة النبوية المطهرة، ولنقرأ تاريخنا القريب والبعيد. لنتأكد من أن التمكين للأمة يأتي دائما بعيد اشتداد أزماتها... فلنتفاءل بالخير، ولنزرع هذا التفاؤل في نفوس أبنائنا، وآبائنا، وإخوتنا، وكل من نعرف رجالا ونساء، ولنطرد اليأس المنبوذ من مجتمعاتنا، ما دام منهيا عنه ومغضبا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. لقوله جل شأنه : {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]. وأختم بالحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري : يحكي خَبَّاب بن الأَرَتِّ -رضي الله عنه- فيقول: شَكَوْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».