برحيل نيلسون مانديلا، ليلة أول أمس الخميس عن سن يناهز 95 عاما، تُطوى صفحة من صفحات كفاح آخر الثوار الأفارقة الذي قضى ثلث حياته وراء القضبان دفاعا عن حرية وتحرر الإنسان الأسود، والإنسانية بشكل أعم من نظام الميز العنصري. نيلسون مانديلا لم يكن إفريقيا فحسب، بل ذاع صيته في كل أرجاء العالم، إلى أن وصل به الأمر ليحط الرحال ذات يوم بالمغرب، فهو يعتبر هذا البلد من الدول التي ساهمت في إقلاع المؤتمر الوطني الإفريقي في كفاحه نحو تحرير جنوب إفريقيا من نظام العبودية. جاء مانديلا إلى المغرب لأول مرة في شهر مارس 1962، في وقت كان المغرب رمزا من رموز التحرر، ووجد الدكتور عبد الكريم الخطيب مخاطبه الرئيسي، حيث وفر له بترخيص من الملك الحسن الثاني السلاح والدعم المالي وكذلك التدريب العسكري لمقاتلي المؤتمر الوطني الإفريقي. يشهد نيلسون مانديلا، عندما كان رئيسا لجنوب إفريقيا في رسالة خاصة له، تلاها سامي كليب، مقدم برنامج "زيارة خاصة" على قناة الجزيرة مع الدكتور الخطيب بتاريخ 04 يونيو 2004، قال فيها "في شهر أبريل من العام 1962 زرتُ عبد الكريم الخطيب في المغرب وطلبت منه لقاء الملك الحسن الثاني، فسألني لماذا فأجبته "لقد أنشأنا جيشا ونريد تدريبه، كما أننا في حاجة إلى السلاح والمال"، فأجابني الخطيب بأنه "يفهم الظروف التي تمر بها بلادنا، لأنه هو نفسه مر في نفس المرحلة التي نحن بصدد خوض غمارها". وأضاف مانديلا متحدثا عن الخطيب: "وقال لي أحضر جنودك إلى دار السلام وسأبعث بطائرة لتحضرهم إلى بلادي (أي المغرب)، وسنقوم بتدريبهم، فسألني (أي الخطيب) وكم من المال تريد؟ فأجبته أريد خمسة آلاف جنيه بريطاني وهو ما يعادل خمسة ملايين جنيه في وقتنا الحالي، فقال لي عد في الغد. وفي الغد عدت إليه عند الساعة الثامنة صباحا، وكان قد طلب مني الحضور على الساعة التاسعة، وقال لي ها هي الخمسة آلاف جنيه إسترليني التي طلبت، لا أريد وصلا أريدك فقط أن تودع المبلغ في حساب بنك إلى لندن". ويضيف مانديلا "هذا الرجل هو الدكتور عبد الكريم الخطيب من المملكة المغربية، إننا مدينون لكل الزعماء الذين ذكرناهم وتشكراتنا الحارة لهذا المؤمن الشجاع الذي يعتبر من مهندسي كفاحنا المسلح، طبعا هذا حصل عام 1962". واعترف الراحل عبد الكريم الخطيب، في الحوار ذاته مع قناة الجزيرة، بتدريب رجال مانديلا قائلا: "قمنا بتدريب رجال نيلسون مانديلا وجميع المناضلين ضد الاستعمار البرتغالي في مخيمات للتدريب بالمغرب، وكان السلاح يأتينا من تشيكوسلوفاكيا مباشرة وكنا نوصله في أكياس كأنها مواد غذائية". وقاوم نيلسون مانديلا ضغوطات مناصري البوليساريو وسط المؤتمر الوطني الإفريقي وعلى رأسهم، تامبو مبيكي، الرئيس اللاحق للبلاد، لكن رحيله عن رئاسة البلاد، وعن رئاسة المؤتمر الوطني الإفريقي، ووقوع توتر دبلوماسي بين الرباط وبريتوريا، ومنها التنافس على تنظيم كأس إفريقيا وتراجع احترافية دبلوماسية المغرب دفع جنوب إفريقيا إلى الاعتراف بما يُسمى البوليساريو يوم 15 شتنبر 2004.