غني أدبنا الشعبي، وغني هذا الموروث الذي أثثه أجدادنا بمقولاتهم التي تعكس حكمة وتبصرا وبعد نظر ورؤية ثاقبة للحاضر والآتي، ومما جادت به عبقرية أسلافنا قولهم: "الوجه المشروك، عمرو مايتغسل"، طبعا المقولة لا تحتاج إلى كثير شرح بقدر ما ستحتاج للبرهنة على أنها تجد مساحة واسعة في معيشنا اليومي، بشكل أصبحت تشكل فيه القاعدة. ف"الدوبل فاص" برواية الناطقين بالدارجة العامية وحسب معجم "لاروس" المغربي مشتقة على وزن الدوبل روشارج، وكل ماوجدت فيه كلمة "الدوبل" فاعلم أنه عليك ب"ضرب الحديد مَحْدُّو سخون"، وتعني لغة "التسنطيح" أو "السنطيحة" و"تخراج العينين"بوضوح صدقا أو كذبا، أمااصطلاحا فهي النتيجة الطبيعية لكل من لايحمل مشروعا يتجاوز الأنا، ومن لا مشروع له فهو هدف رخيص لمشاريع الآخرين. حضور المصطلح (citation) في منطوقنا اليومي يكاد لايتوقف وفي كل المجلات (سياسة ورياضة وفن واقتصاد…)، وقد تحدثت احدى "المناضِلات الحزبيات" لاحدى الاذاعات مؤخرا، حين سئلت عن التفسيرات وراء تعيينها من قبل الأمين العام رئيسة لمؤتمر حزبها وأن ذلك منافٍ للأعراف الديموقراطية، فقالت:" اختارني الأمين العام وزكتني القواعد". كما تحدث مخرج شاب أصدر أول فيلم طويل له بعنوان "فورماطاج' لاحدى الاذاعات عن ابداعه الجديد فقال: فيلمي جد متميز وفيه جرأة من حيث الطرح والاخراج، ( الله يعطينا وجاهكم). أما في الاقتصاد مثلا، فالتدخين مُرَحَّبٌ بأمواله لكنهم يحذروننا من أخطاره على الصحة ويشَرّعون القوانين لمحاربته، السيجارة تقتل لكن أموال التبغ تُحيي الاقتصاد. الحقيقة أننا مجتمع "الدوبل فاص" بامتياز، ومهن كثيرة تنتعش مبنية فقط على "التسنطيح": السمسار، لمقدم، البرلماني، رؤساء الجماعات والبلديات…كلنا جميعا، من أبسط مواطن إلى أكبر مسؤول، وكم تكون الروبورتاجات المصورة مضحكة حين تستقى آراؤنا عن الرشوة أو البيئة أو احترام قانون السير فَتَخال الناس ملائكة من شدة حرصهم على اعمال القوانين واستحضارهم للأخلاق لكن للأسف الشديد تجد الواقع يكذب كل ذلك. أما المسؤولون الكبار فهم أغبى الأذكياء وأشدهم مكرا، فعلى سبيل المثال كيف تعاطينا مع ظاهرتي الارهاب والاجهاض، فللتصدي للارهاب تم اعتماد مقاربة شمولية وقائية /علاجية تركز على الأمني والاجتماعي والديني والاقتصادي، أما تعاطينا مع الاجهاض- الذي هو أيضا إرهاب مسكوت عنه- فلا يتم الحديث إلا على مخرجاته بتسليط الضوء فقط على الحمل. مفهوم التنمية المستدامة لايجب أن يتصل بما هو مادي فقط، بل يجب أن ينعكس على أنماط التفكير والتربية والتعليم، والاقلاع الحقيقي الذي سيحملنا نحو الريادة والتميز عالميا لن يتأتى إلا بتثمين الفرد وقدراته، وتحقيق نوع من الانصاف يحفظه من هذا النفاق الاجتماعي المسمى تجاوزا "الدوبل فاص".