كثيرون يحاولون جر التجربة الحكومية للإسلاميين إلى دائرة التشابه مع تجربة الإشتراكيين، من خلال القواسم المشتركة وبعض الدلالات التي تكتسيها كل تجربة في علاقاتها المختلفة، بالمحيط السياسي أولا، وبانتظارات الشعب المغربي ثانيا، وبالقصر ومحيطه المتنفذ ثالثا، وبالسياقات السياسية العامة التي أتت فيها، والحاجة إلى إصلاحات لوقاية المغرب من انتكاسات على مستوى مختلف الأصعدة. وأهم ما تشابهت فيها التجربتان هو مستويين أساسيين، يكمن الأول في القوة الإقتراحية التي تأتي بها أحزاب المعارضة إلى السلطة، مدفوعة بحماسة الانتصار في الانتخابات، الذي يشكل لهيبا يشعل الصراعات مع مختلف الأطراف في بداية التجربة، خصوصا تلك التي تكون لها أهداف المحافظة على المكتسبات في مجالات اقتصاد الريع والإمتيازات في قطاعات متعددة، ويكمن المستوى الثاني في حجم العراقيل التي تواجه فها الدولة العميقة مختلف الإصلاحات التي تتقدم بها. وبلغ التشابه حدا لا يوصف حينما استخدمت نفس الأطراف حزب الإستقلال في إيقاف سفينة الحكومة في منتصف الطريق، في عهد عبد الرحمان اليوسفي، ليطالب بتعديل حكومي يوسع من عدد الوزراء الإستقلاليين، وفي عهد عبد الاله بن كيران بدعاوى مشابهة، لكن لم يكن قط من المنتظر أن يكون التشابه حد تضحية الحقل السياسي، أو بالأحرى الحكومة بقامات سياسية يشهد لها بدورها، حتى ولو انتفت شروط التشابه حد التمام، في وقت يظل سعد الدين العثماني الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، مقدما في ممارسة السياسة. وحين حمل عبد الرحمان اليوسفي حقائبه راحلا من حقل السياسة، كان الأمر ردة فعل لعدم احترام المنهجية الديمقراطية في تعيين الوزير الأول آنذاك، ونزول مفاوضين من المحيط الملكي للتفاوض المباشر مع الوزراء في حزب الاتحاد الاشتراكي عن طريق توزيع وعود بحقائب وزارية مقابل سحب البساط من الزعيم، ليجد اليوسفي نفسه خاوي الوفاض حتى من سند قيادات حزبه. ثم حين أعاد سعد الدين العثماني فتح عيادته وسط العاصمة الرباط، كان ردة فعل على شيء مشابه، فالابتزاز السياسي الذي خضع له عبد الاله بن كيران خلال المفاوضات، والذي استعملت فيها حتى تصريحات عبد العزيز أفتاتي لإرغامه على التنازل، وتقويضه للتخلي على إحدى الحسنين، وزارة الخارجية أو وزارة المالية، كان كفيلا بجعل سعد الدين العثماني بين أمرين، الرضى بمنطق الترضيات الذي رفضه اليوسفي، أو الرحيل كما رحل الأخير... يوما بعد يوم تتوالد القواسم المشتركة بين التجربتين، تجربة اليوسفي وتجربة بن كيران، حتى تشابه الرجلان في التصريحات، فقال اليوسفي يوما جوابا حول ما إذا كان تشكيل الحكومة من سبعة أحزاب ضروريا :" أعتقد أن تشكيل الحكومة من سبعة أحزاب فرضتها الخريطة، والوضع السياسي بالبلد"، وهو تصريح يشبه قول عبد الاله بن كيران أن اللجوء إلى حكومة من 39 وزيرا، تعد مخرجا لمأزق سياسي، ولا يمكن مقاربتها دون الانطلاق من الوضع السياسي بالمغرب. وسيظل الترقب لمرحلة ما بعد بن كيران، وما إن كان الأخير سيصرح يوما نفسي التصريح الذي أذاعه اليوسفي مباشرة بعد خروجه من تجربة التدبير الحكومي، حين أقر في محاضرة شهيرة ببروكسيل بأنه استلم الحكومة ولم يستلم الحكم. لا شيء سيخلفه رحيل العثماني غير إفقاد الساحة السياسية ما تبقى من عذريتها، وبعضا من السماحة التي ظلت تحتفظ بها في حقائب قيادات حزبية، لم تتخذ السياسة ميدانا للارتزاق، حتى تحولت إلى مسرحية عرض بالأقنعة، ولا شيء خلفه رحيل اليوسفي غير نزيف حاد في أرقام المنضوين تحت لواء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا شيء خلفه الاثنان معا، وخلفهم سرب من السياسيين الذين قرروا الرحيل في صمت، أو رغما عنهم كما فعل مزوار بمصطفى المنصوري، سوى مزيدا من التحكم في الأحزاب السياسية وفي خرائط السياسة.