السيد نورالدين عيوش رجل أعمال مغربي، صاحب وكالة إعلانات، ورئيس مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى .. بالرغم من أنه محسوب على الفئة " المفرنسة " إلا أن له مواقف جريئة حول هيمنة اللغة الفرنسية ببلادنا؛ ففي إحدى الندوات التي نظمتها قناة الجزيرة عام 2009 حول "الفرنكفونية في المغرب" تدخل الرجل باللغة الفرنسية ليؤكد على مجموعة من الحقائق ناذرا ما اعتدنا سماعها من فم " المفرنسين" المغاربة، منها أن زمن الفرانكفونية بالمغرب قد ولّى، وأن الانفتاح على لغات أخرى كالإنجليزية والاسبانية بات ضرورة ملحّة، وأن تخصيص حيز ضيق للفرنسية في إعلاناتنا وإشهارتنا أمر ينسجم مع حجم اللغة الفرنسة الذي تقلص عالميا. وأضاف موضحا أن من أسباب "وفاء" كثير من المُشْهِرين و رجال الأعمال المغاربة للفرنسية كونهم درسوا في فرنسا وعملوا لصالح مؤسسات وشركات فرنسية. وهذا خطأ، في نظره، لأن "الوفاء" للفرانكفونية يفوّت علينا فرصة الانفتاح على العالم وبخاصة الصين والهند والبرازيل وحتى بعض الدول الإفريقية ... هذه حقائق تأتي على لسان رجل أعمال مغربي مشْبع بالثقافة الفرنسية، وهذا سر أهميتها . كما أنها لم تأت في سياق الدفاع عن اللغة العربية كما قد يتوهم البعض، وإنما جاءت في سياق المصالح الاقتصادية للمغرب وهذا أمر مشروع ومنطقي، وربما يفسر جوانب كثيرة من الحوار الذي أجرته جريدة "أخبار اليوم" مع الرجل في عددها ليومي السبت والأحد 12و13 أكتوبر2013 على هامش ندوة دولية نظمتها مؤسسة زاكورة حول إصلاح التعليم بالمغرب، وهو الحوار الذي نود مناقشة قضاياه مع السيد نورالدين عيوش. قضية تهميش الأستاذ في برامج الاصلاح : أشار السيد عيوش، في جوابه عن سؤال يتعلق بسياق عقد الندوة، إلى أن اهتمام مؤسسته بموضوع إصلاح التعليم انطلق سنة 2012 بعقد لقاءات مع وزراء التربية داخل وخارج المغرب بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب وبالاستماع أيضا لهيئات تمثل آباء وأولياء التلاميذ. والملاحظة التي نود لفت الانتباه إليها هنا هي غياب الإشارة إلى إشراك فاعل أساسي في المنظومة التعليمية وهو الأستاذ، وأعتقد أننا لو طلبنا من السيد عيوش ومن غيره أن يتذكر شخصيات طبعت حياته الدراسية لمّا كان تلميذا وطالبا، لذكر على الفور أساتذة وأستاذات درّسوه فترة طفولته وشبابه. إننا نحن الجيل الذي تجاوز اليوم الخمسين من العمر نتذكر جميعا أساتذة وأستاذات طبعوا حياتنا الدراسية بطابع خاص ولا أحد منا يذكر وزير التعليم أو خبراء التربية الذين كانوا على عهد كل منا، وهذا يؤكد حقيقة، يقفز عليها كثيرون عن قصد أو عن دون قصد، وهي أن "هندسة" السياسة التعليمية من قبل الوزراء أو الخبراء لا تأتي أُكُلها إلا بتدخل الفاعل الأساس في العملية التعليمية أعني الأستاذ المدرّس. قد يكون لمهندس الطرق والقناطر أوالخبير الاقتصادي دور أساس في إقامة مشروع ما، الأمر الذي يجعلنا نتفهّم كون دور العُمّال قد لا يتجاوز حيّز التنفيذ والتطبيق . لكن التعامل مع رجل التعليم في مجال التربية والتكوين بعقلية تطبيق قرارات الوزير أو الخبير، أي بعقلية مهندس الطريق الذي ينظر إلى الأستاذ نظرته إلى عامل في مشروعه الطرقي، لن يساهم سوى في المزيد من تعميق الخلل في منظومتنا التربوية . وهذه النظرة حاضرة بشكل ضمني في حوار السيد علوش الذي أخبرنا أن مؤسسته ، في سياق سعيها إلى البحث عن سُبل إصلاح تعليمنا ، قامت بزيارة لبعض الدول للاطلاع على تجاربها في مجال التربية والتكوين كتركيا وفلندا والأردن . وعندما نبحث عن جوانب الاستفادة التي تم جَنْيها من زيارة بلد كالأردن يخبرنا السيد علوش أنه وقف على نجاح هذا البلد العربي في مجال خفض نسبة الهدر المدرسي لتصل إلى 2 في المائة فقط ن في الوقت الذي تعرف فيه نسبة الهدر المدرسي ببلادنا ارتفاعا مخيفا . ليسمح لي السيد علوش أن أسجل هنا تراجع العمق الذي انتهجه في تحليله لهيمنة الفرانكفونية ببلادنا ؛ أولا لأنني خبرت مناهج التعليم الأردني وطرقه التدريسية ومقرراته مدة ست سنوات قضيتها معارا في إحدى دول الخليج العربية التي تَتّبع البرامج التعليمية الأردنية بالحرف ووقفت على محدوديتها مقارنة ببرامجنا التعليمية وسأتحدث عن نقاط قوتها وضعفها في مناسبة أخرى، وثانيا لأن أسباب الهدر المدرسي ببلادنا ترتبط أساسا بالبنية الاجتماعية والديموغرافية وواقع البادية في بلادنا ولا يمكن أن نقارن بلدا عربيا تعداد سكانه 6 ملايين نسمة ببلادنا التي يتجاوز سكانها 34 مليون نسمة بحيث تبدو الأردن أمام المغرب كما لو كانت جهة من جهاته الشاسعة كالدار البيضاء. قضية اللغة الأم : ترتفع كثير من الأصوات هذه الأيام داعية إلى تدريس التلاميذ المغاربة بلغتهم الأم أي بلغة حديثهم اليومي، وما دامت لغة الحديث اليومي ببلادنا هي الدارجة والأمازيغية فإن التدريس بالعربية الفصحى يعتبر في نظرهم تدريسا بلغة أجنبية عن المغاربة . ذلك ما ذهب إليه السيد عيوش حين رأى أن الدارجة ينبغي أن تكون هي اللغة التي يَدْرس بها الطفل عند التحاقه بالمدرسة . ودون أن أدخل في سجال إيديولوجي مع أنصار هذا الرأي ، ودون أن ألتفت إلى من يدافع عن العربية الفصحى باعتبارها لغة القرآن و اللغة الرسمية للبلاد ... أقول بكل اختصار هل كانت الفرنسية والانجليزية بالنسبة للمغاربة الذين يتقنونهما اليوم لغتهم الأم ؟ وحتى إذا اعتبرنا العربية الفصيحة لغة أجنبية على المغاربة ألا تستحق أن يدرسها ويتقنها المغاربة كما يتقن بعضهم الفرنسية والانجليزية والاسبانية والألمانية ..؟ إن التخلف الدراسي الذي تعاني منه بلادنا هذه الأيام ليس قَدَرا محتوما وإنما هو كبوة يمكن إصلاحها لو تصدى الجميع إلى مكامن الخلل الحقيقية ، وابتعد البعض عن طرح الاشكاليات المزيفة من قبيل الطرح المغلوط لقضية اللغة الأم ، فالمغرب يعج اليوم بكفاءات في مختلف المجالات تتقن الفرنسية والعربية نطقا وكتابة بالرغم أن لغة الحديث اليومي واللغة الأم ، بالنسبة إلى هذه الكفاءات ، كانت هي الدارجة أو الأمازيغية ، ولم يكن أحد يطرح الأمر كما لو كان إشكالية من إشكاليات التدريس ببلادنا ، وهذا يدل على أن موطن الخلل في جهة أخرى ، اسألوا الأستاذ الذي قضى على الأقل 15 سنة في التدريس فلديه الخبر اليقين.