أكد مشاركون في يوم دراسي تحت عنوان "أي منظور لاستقلال النيابة العامة على ضوء أحكام الدستور"، على ضرورة توفير مناخ ديمقراطي بعيد عن الحساسيات السياسية، لتحقيق تقدم في عملية إصلاح القضاء. ودعا المشاركون في اليوم الدراسي، الذي نظمه منتدى الكرامة لحق الإنسان بشراكة مع جريدة أخبار اليوم، مختلف الفاعلين والمتتبعين للشأن القضائي بالمغرب إلى بذل جهود متواصلة لتكريس مبدأ استقلال السلطة القضائية. وأكد التهامي القايدي، المحام بهيئة الرباط، في مداخلته بالجلسة الأولى التي أدارها توفيق بوعشرين، مدير جريدة أخبار اليوم، على أنه لا يمكن الحديث عن إصلاح القضاء في ظل التجاذبات السياسية وفي ظل "فضاء غير ديمقراطي"، منبها إلى ضرورة احترام صندوق الانتخابات، وخضوع الجميع للمسائلة وفق مبدأ الشفافية وفي إطار احترام قانون الدولة. واعتبر القايدي أنه من المبكر الحديث عن آفاق مسار إصلاح القضاء قبل صدور ميثاق القانون التنظيمي للسلطة القضائية، مشيرا إلى أن صدوره سيجيب عن تساؤل جوهري، وهو هل القانون هو الذي يطوع السلطة القضائية إلى الاستقلال أم العكس؟ وحول قدرة الحكومة الحالية على تحقيق إصلاح القضاء، يرى القايدي من منطلق "علم السياسة" أن أي حكومة تتكون من عدة أحزاب لا يمكن أن تنفذ برنامجها إلا في حدود. من جهته تطرق القاضي عبد اللطيف الحاتمي إلى إشكالية علاقة الشرطة القضائية بالنيابة العامة، مشيرا إلى وجود إشكال كبير يتعلق بالحالات التي لا تستمع فيها الشرطة القضائية للنيابة العامة ، وما يطرحه ذلك من تحديات أمام استقلال القضاء. وأشار الحاتمي إلى جملة من التحديات، من بينها تداخل سلطة القاضي ووكيل الملك، وسرية عمل الشرطة القضائية، وتملك حرية الأفراد بيد جهاز التفتيش عوض السلطة القضائية، بالإضافة إلى موقع النيابة العامة داخل جلسات المحكمة. وحول تأثير التعليمات التي توجه للقاضي، قال رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، إنه يجب التمييز بين التعليمات في النهاية وفي البداية، موضحا بأن قبل المحاكمة يمكن للقاضي أن يصدر أي قرار، لكن في مرحلة التحريات يمكنه أن يتلقى التعليمات من النيابة العامة. وفيما يخص إرادة وقدرة الحكومة الحالية على تقريب البلد من استقلال القضاء، قال الحاتمي إن مسار الإصلاح لا بد أن يؤتي أكله، مشيرا إلى أن ميثاق القانون التنظيمي للسلطة القضائية يحتوي في مضمونه على نسبة مهمة من جرعات الإصلاح. من جانبه، يرى عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، أن مجموعة من المؤشرات تجعل التفكير في أن استقلالية النيابة العامة سيجعلها في موضع التبعية، ولضمان السير السليم لاستقلال السلطة القضائية، شدد النويضي على وجوب تحول النيابة العامة من وصاية وزارة الداخلية إلى وصاية وزارة العدل. ودعا النويضي إلى تحقيق التقدم في إصلاح منظومة العدالة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة عن طريق فصل السلط والاحتكام إلى القواعد الديمقراطية. وحول مسار إصلاح القضاء قال النويضي إن توصيات الهيئة العليا المكلفة بإعداد ميثاق القانون التنظيمي للسلطة القضائية يحتوي على نقط إيجابية. وفي موضوع الإصلاح دائما، نبه رشيد مشقاقة، رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين، إلى أن حديث بعض القضاة عن الجزئيات المتعلقة بآفاق إصلاح القضاء يمكن أن يؤثر على خروج ميثاق القانون التنظيمي، داعيا إلى ضرورة التريث والاتزان، وانتظار خروج الميثاق للوجود ثم التفاعل مع توصياته، مستبعدا في الآن ذاته أن يكون الحراك الذي يعرفه ورش إصلاح القضاء مرتبطا بتخوفات من نتائج صندوق الاقتراع، معتبرا أن ما يهم القاضي، سواء كان متقدما في السن أو حديث العهد بالقضاء، هو احترام واجباته وحقوقه المادية، ولا يهتم بالتجاذبات السياسية. وفي الجلسة الثانية، والتي أدارها عبد العالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وشارك فيها، القاضي جعفر حسون، والأستاذ الجامعي علال فهدي، والمحامي يوسف الوهابي، والمحامي عبد الكبير طبيح، ورئيس نادي قضاة المغرب، ياسين مخلي، أجمع المشاركون على الانتقال بوضعية النيابة العامة يقتضي تفعيل النص القانوني لتجاوز ثغرات جسم منظومة العدالة. وأكد المتدخلون على وجوب اتخاذ جملة من الإجراءات، في إطار ورش إصلاح القضاء، أهمها ضرورة تأطير التعليمات في إطار الاستقلالية بالنص القانوني كتابة عوض التعليمات الشفهية، وتقويم نظام الاتهام والمتابعة، وضبط نظام الملاءمة، وتعديل المسطرة الجنائية، واسترجاع الثقة في المجلس الأعلى للقضاء.