أسرّت مريم بن صالح رئيسة اتحاد مقاولات المغرب، مباشرة بعد اندلاع حرب الخرجات الإعلامية بالوكالة، في تمرير موقف مقاطعة الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، (أسرت) لبعض المقربين في الاتحاد بكون المعارك الإعلامية مع الحزب الاسلامي القائد للحكومة خاسرة دائما، لكون الأخير يحتوي أجنحة تتقن اللعبة الاعلامية على المستوى الشعبي. غير أنها واجهت الأمر بنفس الابتسامة الاستهزائية، لكون الذي يهم دائما بالنسبة للاقتصاديين هو ربح المعارك على مستوى النخب، وتمرير المواقف القوية في أداء الأدوار الموكولة، خصوصا عندما نعلم أن مريم بن صالح تنتمي إلى لعبة العطاء المتبادل، الموقف مقابل الامتيازات... اقتصاديون وسياسيون ومثقفون يتم توريطهم في ملفات فساد، فيصبحون جزءا من اللعبة، كما تم توريط ادريس جطو في قضية أرض "الورثة" في الدارالبيضاء واتهامه بتغيير مسار الطريق السيار للاستفادة من الأرض، ليتم رفع هذه الورقة في وجه رجل الاقتصاد القادم من الباطرونة فقط حينما بدأ يعلن اقترابه من العدالة والتنمية مع انتهاء ولايته سنة 2007. الطعم نفسه تبتلعه عائلة بن صالح، والاقتصادية الأولى في العائلة، لتتحول إلى أداة تنفيذية لمختلف التوجيهات، ولسلطة الهاتف، فالمسألة بالنسبة لبنصالح في معركتها الأولى، إبان رفض الباطرونة لمضامين ميزانية 2013، لم تكن فقط مسألة تغييرات ضريبية، يعي الجميع أنها إجراءات جديدة لإعادة التوازن للمجتمع، بقدر ما هي انتصار لجهات بعينها، هي نفس الجهات التي تجعل الاتحاد المذكور يتخلى عن جزء كبير من أمواله لمهرجان "موازين" في مقابل تخفيض الأعباء الضريبية. قد تشعل مريم بنصالح الكثير من النيران في مواطن شتى لتشتيت الأنظار عن استفادتها من هذا الوضع، فلو كان الأمر يخص دولة ديمقراطية، لخضعت هذه السيدة للمساءلة على طريقة استفادة شركتها في ميناءي الجرف الأصفر وميناء الدارالبيضاء، وتحويل هذه الشركة إلى ممر وحيد وأوحد لكل الحبوب الوافدة من الخارج. ما تفعله بنصالح هو الدفاع عن اقتصاد تقتات منه مجموعة Holmarcom التي تقودها، والتي تعود إلى ملكية عائلة بنصالح، وهي مجموعة لا تنأى عن اقتصاد الريع قيد أنملة. تمتلك المجموعة المذكورة شركة تابعة تدعى Mass Céréales، تقوم بتدبير عبور جميع كميات الحبوب المستوردة عبر البوابتين الرئيسيتين، ميناء الدارالبيضاء، وميناء الجرف الأصفر، حيث تمتلك الشركة التابعة لمجموعة أولماروك مخازن للحبوب، الغريب أن مرسوما أصدرته إدارة الموانئ بإيعاز من وزير التجهيز والنقل السابق كريم غلاب، يفرض على كل الكميات المستورة من الحبوب المرور عبر مخازن مدام بنصالح، حتى ولو اضطر المستوردون إلى انتظار دورهم لستة أو سبعة أيام، وهي مدة يترتب عنها ما يترتب من رسوم تدفعها الشركات المستوردة للحبوب لكل من الميناءين وشركة بنصالح، وإذا علمنا أن الشركات تتعدد بين المغربية والأجنبية، جاز تحليل جزء من أسباب هروب الاستثمارات الأجنبية. إن استفادة مجموعة مريم بن صالح من صفقة تحت الطاولة، تخول تدبير ملف بالغ الحساسية، وخارج القوانين المنظمة لتدبير الصفقات العمومية، وارتماء الشركة الخاصة في حضن الدولة، واستبدادها في تدبير عبور الحبوب، يطرح أكثر من علامة استفهام. لقد رفع العديد من المستوردين تظلمهم إلى وزير النقل والتجهيز السابق كريم غلاب، بخصوص ما تقومه به الشركة المذكورة من عرقلة أنشطتهم، بفرض التفريغ فقط في المخازن الخاصة والوحيدة في الميناءين، غير أن الوزير قابلهم بكون الأمر يفوق منصبه، وواجههم بكلمات نابية بسبب تظلمهم... فأي مناخ أعمال يمكن أن يستقبل الشركات التركية يا ترى؟ وما هي التبريرات التي ستقدمها مريم بن صالح للكثير من الشركات التي توقف أنشطتها بين الفينة والأخرى بسبب الفساد الذي تنهجه الباطرونا المغربية، وبنصالح تعلم أكثر أن من بين أسباب العجز التجاري مع تركيا أمران اثنان، الأول يتمثل في إغلاق الباطرونا المغربية أبوابها في وجه السوق التركية ولاء للمستثمر الفرنسي، وثانيها يكمن في الكثير من الصفقات التي يلغيها المستثمرون الأتراك حالما يكتشفون الطرق الملتوي لنظرائهم المغاربة. ويكفي أن تقوم بن صالح بزيارة إلى غرفة التجارة التركية في شارع عبد المومن بالدارالبيضاء لتعلم المزيد من المعلومات والكثير من العراقيل حتى تحيى فرنسا فوق قلوبنا وبالرغم من آلام اقتصادنا الكثيرة معها، ومضحك أن تتحدث بنصالح عن عجز الميزان التجاري مع تركيا وكأنه متوازن مع فرنسا أو اسبانيا... إنه لا ينفرد الكثيرون عن الأوركسترا الجديدة، الكل يعزف على نفس النغمة، وبنفس الأسلوب وذات الطريقة، وحين تنظر العين حريقا في مكان ما، وجب أن تعلم أنه توجيه للأنظار نحو معركة هامشية، هكذا يبدو المشهد اليوم واضحا، حروب إعلامية تقوم على سياسة النعامة، رأس في التراب، وأجساد عارية تدروها الرياح.